رئيس التحرير
عصام كامل

"مافيا" الجريمة.. البنك الدولي: اقتصادها يقدر بـ 100 مليار يورو سنويًا.. تقتل القضاة والإعلاميين الذين يقاومون نفوذها.. أطاحت بمارلين مونرو وحاولت اغتيال كاسترو وباتريس لوموبا.. أشهرها نادنجراتا

المافيا الإيطالية
المافيا الإيطالية - صورة أرشيفية

كلمة مافيا بالاصطلاح الإنساني تعني "الجريمة المنظمة"، لكن هناك رواية شعبية أخرى في "إيطاليا" ترجع تاريخ كلمة "المافيا" إلى القرن الثالث عشر مع غزو الفرنسيين لأراضي صقلية في سنة 1282 بعد فساد نظام الحكم في فرنسا ،، حين تكونت في هذه الجزيرة منظمة سرية لمكافحة الغزو وحملت شعار ""MORTE ALLA FRANCIA ITALIA ANELA''' ويعني هذا الشعار (موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا) ومن هنا تكونت كلمة (MAFIA) من أول حرف في كل كلمة في الشعار السابق.


ويروي أحد زعماء المافيا المعروفين، الإيطالي جوبونانو تاريخًا إنسانيا آخر للمافيا، ويحكي أن بداية تاريخ المافيا كان عقب قيام أحد الفرنسيين الذين غزو إيطاليا، بخطف فتاة إيطالية في ليلة زفافها، ما أدى لاشتعال حالة من الغضب في صدور الإيطاليين، حين شاهدوا أم الفتاة وهي تجري وتصرخ بشكل هستيري في الشوارع باحثة عن ابنتها، ليمتد هذا الغضب من مدينة إلى أخرى، ما أدى لقتل عدد كبير من الغزاة الفرنسيين على يد الإيطاليين في ذلك الوقت انتقامًا لكرامة إيطاليا، وكان شعارهم في ذلك الوقت هو الصرخة الهستيرية التي صارت ترددها أم الفتاة وهي تجري وتبكي في الشوارع كالمجنونة.

لكن الأمر الواقع شيء مختلف، فالمافيا منظمة إجرامية تشبه في تركيبها العائلة في تماسكها، يتزعمها أقوى فرد فيها ويتم اختياره بمقاييس يتوافق عليها "المافيوزي" أي المجرمون، ويعمل زعيم المافيا على ضم عائلات جديدة وهكذا وتعمل بغموض تام ما جعلها تحظى بأهمية كبيرة في العديد من الأعمال السينمائية والأدبية، وتسرد حولها الحكايات والأساطير المرعبة التي تروي مدى قوتها ونفوذها.

نشأت عصابات المافيا في جزيرة صقلية الإيطالية وامتد نفوذها إلى أوربا وأمريكا، وعلى الرغم من كل محاولات الحكومات القضاء عليها، إلا أنها لا تزال تتمتع بنفوذ قوي في مجال السياسية والاقتصاد العالمي ما يقلق الساسة والمواطنين على حد سواء.

ويتسم "المافيوزو" بالسادية وانعدام الرحمة لذلك يستخدم الكتاب كلمة مافيا مجازًا للدلالة على أقصى درجات الإجرام تنظيمًا ووحشية.

أما بالنسبة للتدخل بالسياسة الدولية، فأكثر قوانين المافيا قدسية يقضي بعدم التدخل في صراعات المخابرات أو عمليات التجسس، لأن ذلك يقودها بالتأكيد إلى حروب مع أجهزة المخابرات. القانون الثاني يعاقب كل من يثبت تورطه بتصرف ضد مصالح عائلات بحرمانه من منصب كبير عائلة المافيا ويجرد من كل أمواله وربما يقتل إذا اتفق كبار العائلات المكونة للمافيا، وإذا كان القاتل ليس زعيما فيتم قتله دون الرجوع إلى مجلس العائلات المافيا الأم.

ويقدر البنك الدولي اقتصاد المافيا سنويا بـ 100 مليار يورو، وذلك يعني أنها تحقق مكاسب أكثر من شركة فيات الإيطالية العملاقة لصناعة السيارات، وأعلى من الناتج المحلي الإجمالي لمصر حسبما قال أحد الخبراء الاقتصاديين في مصر.

وتتبع المافيا سياسة ابتزاز الأموال، عن طريق إجبار السياسيين على استخدام نفوذهم لتسهيل تجارة السلاح، وتجارة المخدرات، كذلك فرض تسويق نوع معين من البضائع على الموزعين، وتشتهر المافيا أيضًا بالتزوير في المراهنات، والمزايدات، وتجارة النفايات والاستغلال الجنسي، والربا.

ويقول باحثون أن عصابات المافيا الأربعة الرئيسية في ميلانو (نادنجراتا، كوزا نوسترا، كأمورا، وبوليزى) تحقق أرباحا سنويا تقدر بـ8.5 و13 مليار يورو. ووسط منافسة متزايدة مع عصابات المافيا العالمية.

ويضيف الباحثون أن أرباح أعمال النشاط الإجرامي في إيطاليا تقدر بـ26 مليار يورو سنويا، ما يمثل 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي.

جريدة لاريبوبليكا الإيطالية قالت أن إجمالي الشركات والمحال التجارية التي تقع تحت ابتزاز المافيا وتدفع إتاوات لها، تقدر بـ 160 ألف شركة ومحل تجاري.

وأشارت الصحيفة ذاتها إلى التسعيرة المفروضة من قبل المافيا على المحال حيث تدفع المحال الصغيرة في ربع سنة نحو 500 يورو بينما تدفع الشركات الأكبر 5000 يورو.

وطالت جرائم المافيا كل من يحاول صدها فقتل العديد من القضاة الذين أرادو إصدار أحكام قضائية ضد أعضاء المافيا المعروفين لدى سلطات الدولة، وقتل العديد من الإعلاميين الذين شنوا حملات إعلامية للتشهير بالمافيا والتعريف بجرائمها التي لا تحاسب عليها أمام القانون، وذلك بسبب تهديدها لرجال الشرطة أو بسبب فساد أجهزة الدولة الأمنية التي تحميهم، لذلك لا يتردد أصحاب الأعمال في دفع الإتاوات المفروضة، لأن المافيا نجحت في نشر شعارها "الموت هو نهاية المقاومة".

"المافيا والمخابرات"

وتتشابك خيوط المافيا في العديد من الدول بأجهزة الدولة وخصوصا أجهزة المخابرات حتى يصعب معرفة من يعمل لمصلحتها ومن يعمل ضدها.

وتكشف عدة تقرير فضائح سياسية لأجهزة المخابرات ولاسيما "سي أي أيه" الأمريكية إذ يكشف موقع (ذي ناشونال سيكيورتي اركايف) الإلكتروني في جامعة جورج واشنطن، وثيقة سريةً تشرح كيف جنَّدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كبار زعماء المافيا لاغتيال الرئيس الكوبي فيديل كاسترو.

وأفاد التقرير أن "جيمي هوفا" أحد أعضاء المافيا لعب دورًا هاما كحلقة وصل بين المخابرات الأمريكية وزعماء المافيا في ذلك المخطط.

من ضمن زعماء المافيا الذين تمّ تجنيدهم في مخطط اغتيال كاسترو، مافيوزو شهير يعرفه التاريخ يدعي "سام جيانكا" وهو أحد زعماء مافيا شيكاغو، وقد اغتيل في ما بعد، قبل أن يدلي بشهادته أمام الكونجرس حول علاقة الاستخبارات الأمريكية بالمافيا العالمية.

ويكشف التقرير مؤامرات تمت بين الاستخبارات الأمريكية والمافيا لاغتيال قادة أجانب آخرون أبرزهم باتريس لومومبا زعيم الاستقلال في جمهورية الكونغو الديموقراطية ورافائيل تروخيلو في جمهورية الدومينيكان.

وذكرت مرشحة الرئاسة الأمريكية السابقة وعضو الكونجرس، جيرالدين فيرارو، أن لدى الاستخبارات الأمريكية 16 ألف عميل من المافيا في أمريكا الوسطى واللاتينية، وقد نُشرت تقارير صحفية تقول أن جدّ جيرالدين فيرارو، كان يتعامل مع (المافيا) في أربعينيات القرن الماضي.

وأكدت تقارير إعلامية أن اغتيال مارلين مونورو حدث بعد أن قامت بتسريب معلومات مهمة عن خطة المافيا لاغتيال كاسترو لحساب المخابرات الأمريكية "سي أي أيه".

وصرحت مارلين بأن السياسي روبرت كيندي هو من أطلعها على تلك المعلومات وحين فشلت عملية الاغتيال تخلص روبرت كينيدي بمساعدة المافيا من مارلين.

وما زالت تؤكد التحقيقات أن أجهزة المخابرات العالمية تستخدم نفوذ المافيا في العديد من الدول لإحداث حالة من الفوضى أو تهريب السلاح داخل تلك البلدان.
الجريدة الرسمية