حكاية عقار الزمالك الذي يستقبل السفير الإسرائيلى
هي ليست حكاية عقار تحاصره ألاعيب الشيطان الروتيني من كل صوب، وليست قصة مواطن مصرى بات وحيدا والفساد ينفرد به من كل ناحية، وإنما قصة بيت مصري صميم يحاول جاهدا أن يحيا هادئا وديعا مسالما وسط هجمات من خدع وحيل المحليات المرعبة.
يقع العقار بطل قصتنا اليوم بضاحية الزمالك التي كانت حتى زمن قريب عنوانا للالتزام والرقي عندما سكنها الهدوء قبل عاصفة الفوضى التي اجتاحت حياتنا كلها.. قصة العقار مهداة إلى الأستاذ الدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة.
والعقار المشار إليه واحد من عقارات الزمالك القديمة للغاية، والذي ظل واحة للهدوء والأمان حتى قَبِل صاحبه تأجير طوابق ثلاثة منه إلى أجنبي كان يقيم بذات الضاحية بعقد إيجار الغرض منه استخدامه بنسيون للعائلات ليس إلا، وتنازل المستأجر الأجنبي دون رضا المالك لغيره وشارك المستأجر الجديد آخرون ثم تخارج وأصبح من في العقار لا علاقة له بالعقار وتلك قصة لا تخص المحافظة فمكانها الطبيعي ساحات القضاء.
المهم أن متهما بغصب العين بدأ ينسج خيوطه حول الأهداف التي من أجلها تم استئجار المكان واستطاع في غفلة من الزمن أن يحوله إلى مطعم من طابق واحد ظل لسنوات المكان الأكثر قبولا وهدوءا واستقبالا للسفير الإسرائيلى في القاهرة الذي كان يقضى الساعات الطوال في مقر إقامة المطعون في حيازته للعين بالطابق الثالث، وقد شهد السكان وغيرهم كيف كان يأتى السفير الإسرائيلي مدججا بحراساته ليقضي الساعات معه مستمتعا وهانئا وربما حاميا له في بلادنا.
ورغم أن المطعم كان مخالفة صريحة للهدف الذي استؤجر من أجله المكان، إلا أن الحى في ذلك الوقت أغمض عينيه راضيا ومسترضيا، مباركا وغير عابئ بكل المخالفات التي أحاطت بالعقار وساكنيه ولأن ساكنيه من الأقباط فقد آثروا أن يعيشوا جنب الحيط باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية فإن أعجبهم اغتصاب حقوقهم أهلا وسهلا وإن لم يعجبهم فالبحر أمامهم يشربون منه ماء مالحا، مرا، ساما وإلا فالهجرة مفتوحة لمن طالب بحقوقه.
مضت الأيام تأكلها أيام وأغلق المطعم أبوابه وعاد شاغل العين إلى حصار أصحاب البيت مرة أخرى وبعد أن أغلق البنسيون أبوابه وتحول بين يوم وليلة إلى نشاط آخر أراد شاغله أن يحوله إلى مطعم كبير على طابقين بدون ترخيص مرة ثانية فأنشأ مدخنة ضخمة شوهت العقار وأحاطت أصحابه بكل صنوف القبح فلم يصمت صاحبه هذه المرة وقرر اقتحام عش الدبابير مهما كلفه الأمر.
في وضح النهار فوجئ صاحب العقار بشاغل العين والمطعون في حيازته لها أمام القضاء بدأ الحفر في حديقة المنزل لإنشاء سلم خارجى وواجهة موازية هكذا ودون سابق إنذار، معتمدا في ذلك على ما يردده بين رفاقه من أن يديه "طايلة " ولم يكن من صاحب العقار إلا التوجه إلى الحى وهنا تدخل الحي منقذا الموقف وصادر حديد التسليح ومواد البناء وقيدت مخالفة صريحة.
لم ييأس شاغل العين وعلى الجانب الآخر عاين الحى المدخنة الضخمة وقرر إزالتها إن لم يكن لها ترخيص غير أنه أحال الأمر للبيئة.. تشكلت لجنة من البيئة فطالبت بزيادة ارتفاعها مترا آخر دون البحث في قانونيتها أو حصولها على ترخيص فأحيل الأمر إلى الدفاع المدنى.
بحث الدفاع المدنى عن الترخيص فلم يجده فعاد الأمر إلى اللجنة الهندسية بالحى.. وكذا انبثقت عن اللجنة لجنة فرعية، أما اللجنة الفرعية فإنها أنجبت أخرى أقل منها سنا وحجما ولم تتوقف الثالثة عن التوالد فأصبح لديها توءمان ولم تعد اللجنة لجنة ولم تعد الحياة حياة وانقلب هدوء البيت إلى جحيم يأكل كل لحظة أمان كانت تنشدها الأسرة الوديعة.. والقصة ليست قصة مدخنة كما قد يتصورها السذج من أمثالي.. وإنما بقاء المدخنة يعني افتتاح المطعم وافتتاح المطعم الكبير يعني طريق رزق لطابور غير قليل من ضعاف النفوس.!!
كان واضحا للعيان أن العمل لا يتوقف أمام جيوش المعاينات وجحافل اللجان ورجالات الحى الذين لا ينامون بليل من أجل وقف الزحف القبيح والهجوم المدجج بكل صنوف الحصار.. لم تعد الحديقة حديقة وبات البيت الساكن في أرقى شوارع العاصمة شاهدا على انتصار الفوضى على كل ما هو كان جميلا ورقيقا وناعما وناعسا وناضرا.
ودون الدخول في تفاصيل فإن الواقع الفعلى يشير إلى أن اللجان وتحرير المخالفات بات هو الطريق الآمن لشاغل العين للوصول إلى غايته.. يتحرك رئيس الحى بينما هناك بعض صغار الموظفين يدركون جيدا تفاصيل اللعبة.. مخالفات فمخالفات فأمر واقع يفرض فرضا علينا.. هذا الأمر الواقع هو الذي يمنح الفوضى شرعية البقاء.
من الذي يساند هذا الرجل؟ لا يمكن أبدا أن تكون سفارة إسرائيل ولا يمكن أبدا أن نقبل بأن يصبح الحق ضحية للباطل ولا يجوز أبدا أن نستسلم لما كان يحدث في المحليات قبل سقوط نظام بأكمله.
الأمر ببساطة أن البنسيون لم يعد بنسيون.. وأن المكان يتحول مثل مواقع إلى مقاهٍ مزعجة ومرعبة في واحد من أكثر أحياء القاهرة تاريخا وجمالا والتزاما.. موجة الغضب تحاصر حي الزمالك كما حاصرت ضاحية المعادى من قبل.. والأمر مطروح على مائدة الأستاذ الدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة ونحن على يقين أنه صاحب قرار جريء سيعيد الحق إلى نصابه.