قادة جبهة الإنقاذ آخر من يعرف!
قال لى أحد داعمى البرادعى: "هو ما كانش عارف أن الإخوان حيحكموا أو حيكونوا كده"! ضحكت بشدة ضحكا مُرا يصل إلى حد البُكاء، فلقد تذكرت كلاماً قرأته على لسان الرئيس الراحل عبدالناصر يفيد نفس المعنى: "أنه ما كانش يعرف" معلومات ما، بعد أن تجرعت مصر هزيمة 1967 المُرة، وتلك حقيقة تاريخية ليس المُراد منها مُهاجمة أحد ولكن سرد مُحايد للتاريخ!
ولقد استمر عبدالناصر فى حكم مصر، لأن نظامها لم يكُن ديمقراطياً.. فماذا عمن لم يتوقع فى ظل الديمقراطية؟! هل ننتخبه رئيساً أو نمنحه الشرعية ليؤدى بنا إلى المزيد من الهزائم؟!
لقد كتبت مقالاً عنوانه "جمهورية مصرستان"، بالموقع الإلكترونى لجريدة اليوم السابع يوم 12 مايو 2009، متنبئاً باعتلاء الإخوان الحكم فى مصر فى ظل ما عُرف وقتها "بمذبحة الخنازير"، وقلت بالنص عندما أذعن وزير الصحة لمطالب الإخوان وقتها: "لقد أعلن الوزير وهو عضو فى الحكومة والنظام عن انتصار الإخوان المسلمين فى معركة وطن! فذبح الخنازير، ليس إلا ترميزا لما يحدُث اليوم من اقتراب اعتلاء السلطة من قبل الإخوان"!
لقد كانت تلك الرؤية فى إطار الصورة الدولية الأكبر، فلقد كان هناك خلاف كبير بين الإدارتين المصرية والأمريكية منذ 2001، وكان السبب أن الولايات المتحدة تريد من مصر تطبيق الديمقراطية بالأسلوب الأمريكى، وقد تصاعدت حدة الخلاف عبر السنوات ليصل تقريباً إلى حد القطيعة بين مبارك وبوش الابن، ثم بين نظامى مبارك وأوباما إلى حدٍ ما، ليُستكمل فى إطار "مؤسسية" الإدارة الأمريكية!!
ولا أظن مصرياً واحداً يعتقد أن الولايات المتحدة تُريد منا تطبيق الديمقراطية لمصلحتنا، بالطبع!! لقد كانت الولايات المتحدة تُدرك تمام الإدراك، من منطلق رؤيتها الخارطة السياسية فى مصر (والتى كانت واضحة لأى مُتابع أو مُحلل سياسى)، أن بديل مبارك الوحيد هم الإخوان المسلمين وكانت قد طبقت التجربة كبداية على المناطق الفلسطينية حيث بدأ "الربيع الإخوانى" بالفعل!!
فلقد أُملى على الرئيس الراحل ياسر عرفات أن يُطبق الديمقراطية، وكان ذلك من خلال "ورقة شارون بوش" الشهيرة وقد كانت كُلُ من أمريكا وإسرائيل على دراية بأن حماس ستفوز فى أية انتخابات فى غزة. وبالفعل فازت حماس من خلال "انتخابات المرة الواحدة" فى 25 يناير 2006، ورفضت أية انتخابات تشريعية بعدها. فلما تسكت الإدارة الأمريكية اليوم عما يحدث فى غزة وقد فات ميعاد الانتخابات مرات ومرات؟؟! لأن مصلحتها أن تحكُم حماس المُتأسلمة، غزة، مُقسمة الفلسطينيين، وخادمة إسرائيل، لتفتيت القضية الفلسطينية!!
أما فى مصر فقد كان "الإملاء الأمريكى"، بتعديل المادتين 76 و77 من دستور 1971، وظهر ذلك فى تباعد الفترة إلى ما يزيد على الـ 30 يوماً، ما بين لقاء مبارك مع المثقفين فى معرض الكتاب فى يناير 2005 وطلب المرحوم المُناضل الدكتور محمد السيد سعيد بتعديل الدستور من الرئيس السابق فى المعرض، وقبول مبارك هذا التعديل من خلال "مبادرة شبين الكوم" فى 27 فبراير 2005!!
وقد كانت عملية "تطبيق الديمقراطية وفقاً لوجهة النظر الأمريكية"، تُصاغ فى الشرق الأوسط كله "لخلخلة" الوضع لتسهيل الطريق على المُتأسلمين لاعتلاء السلطة فى دوله العربية، وإحداث الانفتاح الذى مكن الشباب على سبيل المثال فى مصر، من النزول إلى الشارع والتظاهر ضد مبارك مرات، وليس مرة واحدة فقط!!
ومن يقرأ المشهد السياسى فى مصر منذ العام 2005، سيجد تغيُرات واضحة فى الفعل الإخوانى الذى كان "مُتجرأً للغاية"، بعكس ما كان من الجماعة قبل 2005!! لقد كانوا مثل الحية يتجرأون ثم يقبلون اللحى، وكان واضحاً لكل من له عين ترى وأُذنُ تسمع، أن هناك شيئاً غير طبيعى يحدث فى الساحة المصرية، مُقارنةً بما كان من الإخوان فيما قبل ذلك!!
وهنا أتمنى ممن يقولوا إن الولايات المتحدة ضد الحكم الدينى، أن يتذكروا أن بريطانيا ثم الولايات المتحدة هما من أعانا على إنشاء المملكة العربية السعودية وهى تُشكل نظاماً دينياً بجدارة، كما أنها من أقوى حُلفاء الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط بعد إسرائيل!! فالنُظم الدينية هى نُظم مركزية يسهُل إدارتها من الغرب وليس كما يرى البعض فى أنها مُستقلة بالفعل!!
ولقد كان الوضع تحت نظام مبارك فى السنوات العشر الأخيرة بالغ السوء، ولكن مع الوضع فى الاعتبار بأن بديله هم الإخوان، كان يظهر أنه سيىء وهم سيكونون أسوأ. كان هذا هو السبب وبمنتهى البساطة الذى جعل الكثيرين، وأنا منهم، يرفضون ما أُطلق عليه إعلامياً بثورة 25 يناير، ويُنادون بالتغيير التدريجى بما يضمن الاستقرار المدنى، ولو بتداول سلمى للسلطة يضمن عدم الانفلات الأمنى الذى حدث بالفعل خلال السنتين الأخيرتين!!
أرجو ممن يدافع عن السياسيين المصريين من أمثال البرادعى أو حمدين أو موسى، ألا يعتدى على عقولنا وألا يتعرض لهم "بالسب والقذف" بأن يقول إنهم لم يكونوا يعرفون، لأن السياسى الذى لا يعرف يؤدى بالأمم إلى حتفها وهزيمتها!! إنهم لا يمثلوننا!! إن من يُمثلنا بحق هم الشباب المُناضل فى الشارع الذى يدفع الثمن دماً!! أما جبهة الإنقاذ تلك، فهى تحتاج إلى إنقاذ فى حد ذاتها، وأن يُساعدهم من يستطيع على قراءة الخارطة السياسية لمصر والعالم... لأن مصر ليست "كُشك سجاير"!!
والله أكبر والعزة لبلادى،
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية.