رئيس التحرير
عصام كامل

شريعة حزب النور


لو أن حزب النور السلفي أعلن أنه سوف يدعو إلي التصويت بنعم علي مشروع الدستور تقديرا للظروف التي تمر بها البلاد لتفهمت موقفه، علي اعتبار أن ما لا يدرك كله لا يترك كله، ولأن الحزب عاد إلي حجمه الطبيعي، وأصبح له صوت واحد من بين خمسين صوتا، علي عكس لجنة الغرياني التي شكلها الإخوان في عهدهم البائد، لكن الحزب الذي قلت عنه في مقال سابق إنه مثال للانتهازية لم يخيب ظنون المتربصين من أمثالي، وأعلن جلال مرة أمين عام الحزب أن لجنة الخمسين لجنة وطنية حافظت علي الشريعة الإسلامية في الدستور !!


أي شريعة يا مولانا ؟ شريعتكم التي كنتم تقولون إنكم ستموتون دونها ؟ شريعتكم التي صاغها المدعو ياسر برهامي في المادة 219 من دستور الإخوان ومررها بالتدليس متفاخرا بذلك ؟، أم شريعتنا التي نراها تتسع لكل مبادئ الحرية، وتمنح الإنسان حقه الطبيعي في أن يكون حرًا في رأيه وحرًا في معتقده ؟

نظرة سريعة علي دستورنا – رغم تحفظاتنا علي بعض مواده – تقول إنه دستور مدني بامتياز، حتي لو نجحت ضغوطكم في تغيير عبارة "حكمها مدني" إلي "حكومتها مدنية"، لأن كل نصوص الدستور الأخري تفصح بما لا يدع مجالا للتأويلات عن أن مصر دولة مدنية ديمقراطية، ليست دينية كما كنتم تريدونها، ولا عسكرية مثلما يشيع الإخوان وأنصارهم ..

لو كان حزب النور قال في بيانه إنه رضخ لرأي الأغلبية في لجنة الخمسين لكان هذا أدعي لاحترامه، لكن كيف نصدقه وقد وصف مشايخه دستور مرسي الاستبدادي بأنه أفضل دستور في العالم، كيف نصدق أن حزبا تباهي أحد مشايخه بأنه مرر في دستور مرسي أكبر قدر من القيود علي الحريات يمكن أن يثني علي دستورنا المدني الذي يمنع تماما تأسيس الأحزاب علي أساس ديني؟ كيف نصدق أصحاب اللحي الطويلة الذين يحاولون إيهامنا الآن بأنهم أصحاب موقف وطني بينما شاهدنا ممثل حزب النور وهو ينسحب من اجتماع لجنة الخمسين حتي لا يقف احتراما للسلام الوطني ؟

وكان من الطبيعي أن يصبح النور – حزبا ومشايخا – هدفا لهجوم الإخوان وأنصارهم بسبب موقفهم من الدستور، وبالطبع تناولت كبريات الصحف المصرية بمزيد من الشجب والإدانة وقائع هذا الهجوم، وأصبح حصار منزل المدعو نادر بكار من قبل أنصار مرسي محورا لموضوعات الصحف والفضائيات، كما تابعت الصحف كيف حاصر الإخوان أحد المساجد ليمنعوا ياسر برهامي من إلقاء درسه الأسبوعي، وأستطيع أن أجزم أن غالبية زملائنا في تلك الصحف رقصوا فرحا عندما حٌوصر منزل نادر بكار، وغنوا طربا عندما مٌنع ياسر برهامي من إلقاء درسه، لكنها السياسة التي يري أهلها أن عدو عدوهم هو بالضرورة صديقهم، ولو إلي حين!

والحقيقة – فيما أعتقد - أن حزب النور قرر أن يحتمي في عباءة الأغلبية، وأدرك أنه لو رفض الدستور ودعا إلي رفضه سوف ينكشف حجمه الحقيقي في الشارع، قلت من قبل إن التيار السلفي يتباهي بأن عدد أتباعه قد يصل الي 5 ملايين مواطن مصري، وهو كما أشرت من قبل عدد لا يمثل سوي 5 بالمائة من سكان مصر، و10 بالمائة ممن لهم حق التصويت، فهل من الذكاء أن يتورط الحزب السلفي في رفض الدستور ليثبت للعالم أن قدرته علي التأثير لا تتجاوز تلك النسبة ؟ أم أن الذكاء – ولو شئنا الدقة الانتهازية –يقتضي أن ينضم الحزب السلفي إلي جموع المصريين المؤيدين للدستور، ويتفاخر بأنه ممن دفعوا الوطن إلي الإمام بل ويمن علينا أنه حشد الملايين من أتباعه لإقرار الدستور !

وفي كل الأحوال، لا ريب أن حزب النور قد تنازل عن عنجهيته التي كان يتعامل بها خلال عهد الإخوان، وأدرك أن رياح يونيو عنيفة، ولا حل لمواجهتها سوي الانحناء، سواء كان ذلك لأسباب سياسية تدفعه الي التنازل من أجل البقاء علي قيد الحياة، أو كان خوفا من المؤسسة العسكرية ورغبة في الحفاظ علي العلاقة معها، أو كان نوعا من التكتيك والمناورة، بحيث يتمكن الحزب من التواجد علي الساحة، ويستمر في العمل علي الأرض مستغلا غياب الإخوان عن الشارع علي أمل أن يتمكن من تحقيق مكاسب سياسية تؤهله لفرض إرادته فيما بعد ..

وأتصور أن الانتخابات البرلمانية المقبلة سوف تكون فارقة في تاريخ تيار الإسلام السياسي بشكل عام وفي القلب منه التيار السلفي الذي يمثله حزب النور، ربما نكون مضطرين لتحمل سفسطة نادر بكار ورجعية ياسر برهامي وجهل عبدالمنعم الشحات وتطرف يونس مخيون لعدة سنوات قادمة، لكنها سنوات قليلة، بعدها سوف تلفظ مصر كل هذا الخبث، ويعود إليها وجهها المشرق من جديد !
الجريدة الرسمية