رئيس التحرير
عصام كامل

ساعة فى حضرة أبو عمار


قبل نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، كان الفلسطينيون الذين حاصرهم "عرب السلام" الأمريكي مع إسرائيل بعد أن حاصرتهم قوات شارون في بيروت مطلع العقد ذاته، يبحثون عن حلول لقضيتهم إثر سنوات من التضحية والكفاح المسلح الذي يبدو أنه أنهك الزعيم الرمز ياسر عرفات، وقد وجد الرجل نفسه في ذلك الوقت منفيا في تونس يتكالب عليه "شر البقر".


في هذه الأجواء كانت إرهاصات التخلي عن البندقية في الصراع العربي الصهيوني قد لاحت في الأفق، وتجلى الأمر في إلقاء أبو عمار في 13 ديسمبر 1988 خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في مقرها بجنيف، بعد أن رفضت الولايات المتحدة منحه تأشيرة دخول إلى نيويورك، وهو الخطاب الذي شكل بداية الاعتراف الصريح باسرائيل، ومهد لفتح قنوات تفاوض معها فيما بعد.

هذا التحول في موقف عرفات ومن ثم منظمة التحرير الفلسطينية، تجاه إسرائيل أحدث انقساما وسط العديد من القوى السياسية العربية ولم تكن نقابة الصحفيين المصرية ببعيدة عن الأحداث بعد أن حط أبو عمار ضيفا على قاعتها الرئيسية في المبني القديم "أبو جنينة" الذي بني على أنقاضه المقر الحالي بشارع عبد الخالق ثروت.

كان أبو عمار في ذات مساء من عام 1989، إن لم تخني الذاكرة، يجلس على المنصة التي اعتدنا أن نتطلع إليها في المناظرات والمؤتمرات الانتخابية داخل نقابتنا العريقة، فيما كنت وعدد من شباب الصحفيين نهتف بشكل متواصل "ياسر ياسر يا أبو عمار إرجع تاني لخط النار"، غير أن حضوره الطاغي وكلماته الشهيرة التي لا تزال ترن في أذني: "معكم وبكم سنحرر القدس"، ورفع يده بشارة النصر كانت كفيلة بأن نكف عن الهتاف ونستمع إلى الرمز الفلسطيني البارز.

جاء أبو عمار- كما قال لي أحد النقابيين المخضرمين- إلى نقابة الصحفيين برغبة منه، ليكون بعيدا عن القيود الرسمية في الحديث، وإذا به يسمع بأذنيه هتافات شباب الصحفيين، الرافضة للاعتراف بالكيان الصهيوني، والمضي على طريق مفاوضات أسلو ومدريد فيما بعد، ربما يكون ذكاء الرجل قد أسعفه في احتواء الهتافات المشاغبة، غير أن الرسالة التي أردنا إعلانها في حضوره الذي استغرق نحو الساعة قد وصلته مباشرة.

رفض التحول في موقف رمز القضية الفلسطينية الأبرز الذي عبرنا عنه بالهتاف في حضوره داخل نقابتنا، هو الموقف ذاته الذي نتخذه اليوم تجاه أية محاولة لتغيير موقفنا من التطبيع مع الكيان الصهيوني تحت لافتات مغلوطة تحمل زورا كلمات مثل الدعم والتضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق.

خالف عدد من الزملاء، وبينهم للأسف أعضاء في مجلس النقابة، بالذهاب إلى القدس المحتلة، قرارات الجمعيات العمومية المتعاقبة، برفض التطبيع مع إسرائيل، وإذا ببيان من المجلس عقب تحقيق سري (!!)، يعترف بسلامة موقف من حجوا تحت الحراب الإسرائيلية، مشجعا على وقوفهم المذل عند المعابر التي وضعها الاحتلال.

تجاهل مجلس النقابة قرارات الجمعيات العمومية، ولأسباب باتت معروفة، تأتي بالمصالح الضيقة للبعض على حساب المبادئ المستقرة في ضمير جموع الصحفيين برفض التطبيع بكل أشكاله، ومعاقبة من يخرج عن قرارات الغالبية العظمي بالتساهل والتسامح بل وتبرئة المطبعين !!!.

وفي ظل هذا الموقف أخشى أن تستقبل نقابة الصحفيين يوما ما بدلا من عرفات، الرئيس الإسرائيلي وأن يهتف له البعض: يا بيريز يا مجمعنا ... أنت الرمز واحنا المعنى"!!!!
الجريدة الرسمية