رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. «مقابر اليونانيين.. تاريخ تحتضنه الإسكندرية».. عمرها 100 عام وتمتلكها المحافظة.. الشاعر كفافيس وصاحب «المستشفى اليوناني» يرقدان بين جدرانها.. «انطونيو» أستاذ الع

فيتو

على أرض الشاطبي بالإسكندرية، لا تزال مقابر الجالية اليونانية التي عاشت بمصر خلال عهد الاحتلال الإنجليزي، وكذلك مدافن الأراضي المقدسة التابعة لطائفة الكاثوليك المنتمية لـ(الفاتيكان)، شاهدة على تقبل المصريين للآخر، فضلا عن وجود مقابر بها يصل عمرها لـ100 عام، وهي مقابر مملوكة لمحافظة الإسكندرية وليس لهيئة الآثار.

«فيتو» رصدت أشهر المقابر الخاصة بالشخصيات اليونانية والرومانية المتواجدة بين جدران هذه المدافن وهي الشخصيات التي ساهمت بعلومها أو بكيانها في عروس البحر المتوسط «الإسكندرية»، عندما كانوا يقيمون بها ومن أشهرهم الدكتور جوزيف بوتر وهو روماني وعالم آثار دفن بمدافن الكاثوليك.

أما مدافن الجالية اليونانية فبها أشهر الشخصيات التي ساهمت في بناء فكر ونمو الإسكندرية، حيث مدفون بها الشاعر اليوناني قسطنطين كفافيس أو «كونستانتينوس بترو كفافيس» وهو واحد من أعظم شعراء اليونان المعاصرين، ويحمل الجنسيتين المصرية واليونانية، وتميز شعره بأنه بعيد عن «النمطية»، وانتقد المسيحية والوطنية الشوفينية والميول الجنسية المستقيمة.

كما أن تمثال الجندي المجهول متواجد هناك منذ عام ١٩٤٠ ويعود للحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى نصب تذكاري قام ببنائه ملازم طيار يوناني كان مشاركا في الحرب العالمية الثانية، مدون عليه بعض الجمل التي تحث على العزيمة والحسم والتي من ضمنها على سبيل المثال «العنصر اليوناني.. فكرة إنسانية شاملة وليس له حدود جغرافية».

وفي نفس المكان يتواجد قبر «كورسي كاهو» الذي بنى «المستشفى اليوناني» قبل أن يتحول إلى مستشفى جمال عبد الناصر، فضلا عن قبر «أنطونياديس» وهو الذي أسس حديقة أنطونياديس وكانت مملوكة له وسميت باسمه وتعتبر حاليا أبرز المتنزهات بالإسكندرية، وكذلك قبر رجل الأعمال اليوناني الشهير آنذاك «اسطاسي»، والذي يعد أحد أهم رجال الأعمال حينها، وتم تسمية أحد شوارع الإسكندرية باسمه.

ويلي «اسطاسي» رجل الأعمال الشهير في ذلك الوقت «أوفير وف»، وكان يمتلك آلاف الأفدنة بمحافظة البحيرة، بالإضافة إلى قبر أشهر محامي يوناني عاش في مصر والمعروف بـ«ميخاليديس» وكان يعمل مستشارًا قانونيًا للجالية اليونانية بمصر. 

ويأتى بعد ذلك أبرز قبر في المدافن وهو قبر عالم الكيميائى الشهير «اليوناني بابا انطونيو» والذي اخترع مستحضرات النظافة والمبيدات الحشرية وكيماويات البناء والتي نستخدمها اليوم، وكان يعيش بالإسكندرية وأنشأ محالا خاصة به متخصصة في بيع كيماويات البناء، بعد أن انتدبته كلية العلوم بجامعة الإسكندرية لتدريس طلابها. وأخيرًا قبر سالفاكوا الذي قام ببناء مدارس اليونانية بالإسكندرية والخاصة بتعليم أبناء اليونانيين فقط.

وتعود أصول الجالية اليونانية بالإسكندرية إلى أواخر القرن الـ18 وازداد وجودهم في ظل حكم محمد على باشا، واشتهروا بدأبهم على العمل في التجارة، وعملوا في مختلف الحرف والمهن، حتى إن عددهم بلغ نصف عدد سكان الإسكندرية في عهد الخديو إسماعيل. 

وكان عددهم قد بلغ 37 ألف نسمة عام 1882، و56 ألف نسمة عام 1917. وتقلصت أعدادهم بسبب سياسة التأميم في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهاجر معظم أفراد الجالية التي أقامت بمصر ردحا من الزمن إلى اليونان والبرازيل وكندا وأمريكا وأستراليا، وهي المجتمعات التي وفرت لهم مناخا كوزموبوليتانيا يشبه حياتهم في الإسكندرية حيث تعدد اللغات والجنسيات، لكنهم ظلوا مترابطين يعيشون على أمل العودة، فأسسوا روابط واتحادات خاصة بهم بوصفهم مصريي الهوية.

أما أعضاء الجالية الذين لم يغادروا مصر فهم منغلقون تماما على أنفسهم، يرحبون على استحياء بالصداقات والعلاقات مع المصريين، وعلى الرغم من ذلك، فإنهم يرفضون مغادرة الإسكندرية، ويبلغ عدد أعضاء الجالية حاليا نحو 4 آلاف يوناني، ما بين يونانيين مصريين ويونانيين وافدين، منهم المعلمون والطلبة الدارسون في الجامعات المصرية أو المختصون في الآثار، وهم يتبعون البطريركية الأرثوذكسية اليونانية، وهي الكنيسة الأم في عموم أفريقيا، وواحدة من أقدم البطريركيات في العالم. 

ويرأس الجالية اليونانية بالإسكندرية حاليا إدموندو كاسيماتيس، وهو صاحب محال «مينرفا» الشهيرة بمحطة الرمل، الذي ورث المحل عن أجداده منذ أكثر من 100 عام، وهو مقيم بالإسكندرية مع أبناء عمومته وأولادهم الذين يديرون أيضا عددا من المطاعم والمقاهي بالإسكندرية. 

ويعتبر اليونانيون من أكثر الجاليات التي تم تجسيدها في أهم أفلام السينما المصرية القديمة، فنادرا ما يخلو فيلم من خواجه يوناني سواء صاحب مطعم أو حانة أو نادل أو ترزي أو خياطة أو صاحبة بانسيون.
الجريدة الرسمية