عام بين الانكسار والانتصار
منذ عام تقريباً، وتحديداً في الأول من ديسمبر 2012، كنا نتظاهر أمام مبني برلمان أونتاريو بوسط مدينة تورنتو، في تظاهرة شرفتُ بتنظيمها مع الزميلة "ليلي دسوقي" منسقة حركة "مصريين كنديين من أجل الديمقراطية"، وبمشاركة كل المنظمات المصرية والقبطية في كندا تقريباً، وكانت تلك هي التظاهرة الثالثة في مدة أسبوع، احتجاجاً علي الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في الثاني والعشرين من نوفمبر.
وبينما كانت السماء تملأها السحب، وبرودة الجو تصل إلي عشر درجات تحت الصفر، وبينما نحن نهتف ضد مرسي ومرشده وجماعته، ونطالب بالعدل لدماء ضحايا جماعة الإخوان، جاءنا الخبر أن "محمد مرسي" لم يبال بكل تلك التظاهرات في الداخل والخارج، وأنه أعلن في خطابه "دعوة الشعب للاستفتاء علي الدستور".
والحقيقة أعترف أنني أصابني "الإحباط"، خاصة وأنا أري مرسي في مشهد تافه وهو يمسك نسخة من الدستور ومعه الغرياني، وتحول "الإحباط" إلي "حزن" علي مصر، ذلك البلد العظيم وأنا أري أسوأ من فيها يحكمها، وأجهل من بها يضع دستورها، وسرعان ما تحول "الحزن" إلي "خوف" علي مستقبل وطني، وتساءلت هل كنت مخطئاً عندما قلت لزميلي "الإيراني" قاطعاً أن "مصر ليست إيران"، عندما حذرني يوم خطاب تنحي مبارك، وقال "احترس ففي عام 79 كنت أسعد منك وكنا نعيش نفس الأجواء، ثورة قام بها شباب ومات في سبيلها ليبراليون ويساريون لتسرقها التيارات الدينية ولم ننجح في استعادتها حتي اليوم".
جالت في عقلي وقتها كل الصور المخيفة بدءًا بما فعله "الخوميني" بإيران وانتهاءً بما فعلته "حركة طالبان" بالمجتمع الأفغاني المثقف والمتحرر في ذلك الوقت قبل أن تدمره تلك الحركة. أوطان عدة وقعت أسيرة لحركات وجماعات دموية غير وطنية في لحظة "تمكين" فارقة، وهنا تحول "الخوف" إلي "رعب" من أن تكون تلك هي لحظة "التمكين" التي وقعت فيها مصر فريسة لميليشيات ذلك التنظيم الدولي السري.
ولكن بعد الليل لابد أن يأتي نهار، فبعد عام تماماً، وتحديداً يوم الأول من ديسمبر عام 2013، جلست أشاهد علي الهواء اللحظات الأخيرة في عمر لجنة الخمسين، فقد تغير المشهد كلية، شتان بين من يكتب دستورا لأجل "وطن"، وبين من يكتب دستورا لأجل "جماعة"، شتان بين رئيس وحضور وانضباط ونظام ومناقشات لجنة دستور 2013 ، وبين رئيس وحضور وعبث لجنة دستور 2012، شتان بين من يقول "مصر حفنة تراب"، وبين من يقول "تحيا مصر"، شتان بين لجنة رفضت بأكملها إجبار رئيس الدولة علي تعيين نائب قبطي أو امرأة، وبين لجنة وافقت بأكملها علي مادة تضمن تمثيلا عادلا للأقباط والمرأة بالمجالس النيابية، شتان بين لحظة الانكسار في ليلة الأول من ديسمبر 2012، ولحظة الانتصار في الأول من ديسمبر 2013.
وأختتم هذا المشهد الرائع للجنة الدستور الجديد بالكلمات التي قالها الدكتور المستنير "سعد الدين الهلالي" أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وأحد أعضاء لجنة الدستور، حين قال: "هذا الدستور وضعه بشر ليحكم العلاقة بين بشر، هذا الدستور لم يتاجر بالدين، هذا الدستور مشرف لثورة 30 يونيو التي حمت الدين من المتاجرين به".