رئيس التحرير
عصام كامل

الغاز والنفط الصخريان وخريطة العالم الاقتصادية الجديدة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يلعب النفط والغاز دورا ليس في إدارة عجلة الاقتصاد العالمي فقط، بل في لعبة السياسة والحرب والسلام.

إنتاج النوع الصخري منهما يعوض عن النقص في سوق الطاقة، ويشير إلى دور جديد وتغيير في خريطة أنابيب نقل الطاقة العالمية.

تختلف وجهات نظر مراقبي الاقتصاد وخبراء النفط بشأن النفط والغاز الصخريين المُكتشفين في أميركا، فمنهم من يقول إن الولايات المتحدة ستؤمن اكتفاءها الذاتي لمائة سنة على أقل تقدير، وستغدو عملاقا اقتصاديا منتجا للنفط بدلا من كونها مستهلكه الأكبر.

فيما يرى آخرون، أن النفط والغاز المكتشفين لن يؤثرا على اعتماد واشنطن على مصادر الطاقة المستخرجة بطرق تقليدية، بالإضافة إلى أن كلفة إنتاجهما مرتفعة جدا.

لكن، ما النفط والغاز الصخريان؟ ولماذا خرجت كل هذه التوقعات الكبيرة حول تحقيقهما ثورة في عالم الطاقة، يمكن أن تغير من خريطة الطاقة العالمية، ولماذا الآن؟

يقول خبراء الطاقة إن هناك نقصا سيحدث في مصادر الطاقة بعد عشرين عاما، الأمر الذي دفع الجميع للبحث عن بدائل. لكن المسألة لا تتعلق بتوفر مصادر الطاقة فحسب، بل المهم أيضا كيفية وكلفة استخراجها، وهذا ما يحدد سعر الطاقة اعتمادا على كلفة الإنتاج.

الدكتور مهران موشيخ مهران الباحث الأكاديمي في مجال النفط، قال من فينا في لقاء مع DW عربية خلال برنامج "ستوديو الحدث" الإذاعي: "النفط أو الغاز الصخريان موجودان في الطبيعة منذ ملايين السنين ولا يختلفان في تركيبهما عن النفط والغاز المعروفين، إنتاجهما بدأ منذ عام 1930 في الولايات المتحدة الأميركية. لكن استخراج الغاز والنفط من صخور الأردواز عملية صعبة".

كلفة وبيئة
ولعل الصعوبة في استخراجها هي التي دفعت الدول لإنتاج الغاز والنفط بطرق تقليدية من دون الحاجة لتقنيات عالية. وفي حالة الغاز الصخري "يجب تهشيم الصخر كي تخرج السوائل النفطية أو الغازية من الصخور، وعملية التهشيم تتم عن طريق كميات هائلة من الماء المضغوط، والمواد الكيماوية التي ستبقى في الأرض وتلوث المياه الجوفية والتربة". حسب الدكتور مهران.

لكن، رغم التوقعات الكبيرة فإن الخبير الاقتصادي اللبناني الدكتور كامل وزني تحدث عن "تقرير صدر قبل مدة ذكَرَ أن الولايات المتحدة يمكن أن تتفوق في إنتاج الطاقة لفترة وجيزة تستمر لعشر سنوات فقط".

لكنه عاد وأضاف أنها مجرد توقعات، ولعل "التكنولوجيا الحديثة ستؤمن للولايات المتحدة مخرجا يساعدها على إنتاج هذا النوع من مصادر الطاقة".

وبجانب الكلفة الكبيرة لإنتاج الغاز والنفط الصخريين، هناك مشكلة التأثير البيئي، ما دفع بعض الدول التي تمتلك مصادر الطاقة هذه لحصر إنتاجها.

وهناك دعاوى ضد الشركات المنتجة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى حدوث هزات أرضية صغيرة، نتيجة البدء باستخراج النفط والغاز من حجر الأردواز.

ولعل الصين التي تحتاج لمصادر طاقة كبيرة بسبب نموها الاقتصادي خير مثال على ذلك.

"الصين تمتلك احتياطيا كبيرا، لكنها لا تمتلك التكنولوجيا التي تمتلكها الولايات المتحدة، وفي أوربا يمنع استعمال هذه التقنية، بسبب الأضرار البيئية"، حسب قول الدكتور وزني.

أنبوب غاز.. وسيطرة
يعتبر الغاز سلعة إقليمية، أكثر مما هو سلعة دولية، فأفضلية التوزيع تكون إلى الدول الأقرب.

وتسيطر روسيا على غالبية السوق الأوربية المعتمدة على الغاز الروسي بشكل أساسي.

ولعل ألمانيا مثال على الطلب الكبير للغاز الروسي، إذ يقول الدكتور كامل وزني: "أوربا تم اختراقها من قبل روسيا بسبب الغاز، وحاولت ألمانيا أن تجد حلولا خاصة بها، رغم معارضة الولايات المتحدة، فهي تحصل على احتياجاتها من الغاز الروسي عن طريق خط أنبوب المجرى الشمالي، والذي يربط ألمانيا بروسيا مباشرة، التي تعتبر أكبر مستورد أوربي للغاز من روسيا".

ويعتقد الخبراء أن روسيا لن تتخلى عن هيمنتها على السوق الأوربية. لكن الخريطة يمكن أن تتغير بسبب وجود بديل ممكن للغاز الروسي، خاصة وأن هناك حديثا عن أن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، متمثلة بسوريا ولبنان وإسرائيل وقبرص، ستصبح مصدرة غاز لأوربا.

لذلك "فإن المعركة التي تدور في منطقة الشرق الأوسط لها علاقة بالغاز"، حسب قول الدكتور وزني، كما يشير إلى دولة شبه غائبة عن سوق الغاز، رغم ثقلها الاحتياطي، وهي إيران التي تمتلك ثاني أو ثالث أكبر احتياطي غاز في العالم، لكنه غير مستثمر بسبب العقوبات الاقتصادية عليها. متى ما يفتح هذا الاستثمار ويصبح هناك ممر عبر سوريا على أوربا، ستكون هناك منافسة جديدة.

ولو سمح لإيران بتصدير الغاز لكان دخلها السنوي يصل على 130 مليار دولار في السنة.

الخليج وآسيا الوسطى
تحاول الولايات المتحدة الأميركية مع كندا تكريس جهودهما للتعويض عن غاز الخليج وروسيا ونسبيا إيران في تجهيز أوربا بالغاز على المدى البعيد.

ويضرب الدكتور مهران مثلا، أنبوب غاز نابوكو الذي فشل، وكان من المفروض أن يأتي بالغاز الروسي ليتصل به الغاز العراقي والخليجي والمصري والإيراني عبر تركيا إلى أوربا.

ويشير بالقول "أميركا قطعت هذا الطريق. لأنها تريد إيصال غازها إلى أوربا. وتخطط لإيصال غازها الصخري إلى بريطانيا مثلا ثم أوربا مع حلول عام 2015. واستثمرت 20 مليار دولار في هذا المشروع". رغم أن سبب فشل مشروع نابوكو يعود في الأصل إلى خلافات بين الدول التي يمر بها الأنبوب.

ويبقى أن الولايات المتحدة رغم انسحابها من الشرق الأوسط، لكنها لم تنسحب من الخليج، فهناك قوة عسكرية أميركية كبيرة متواجدة في الخليج.

عن ذلك يقول الدكتور وزني "هذه عقيدة كارتر التي تبقي على تواجد عسكري وسياسي في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى، التي تمتلك إمكانيات هائلة من الطاقة، والتي هي أماكن حساسة في تركيب سياسة العالم الجديدة"، خاصة وأن هناك صراعا حقيقيا على السيادة الاقتصادية العالمية، والمنافسة الاقتصادية والسياسية محتدمة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.

ولهذا فإن التداخل بين أهمية مصادر الطاقة وتنوعها وبين أنابيب نقلها يمكن أن يغير من خريطة العالم الاقتصادية، وليس من الضروري أن تكون كميات الغاز والنفط الصخريين كبيرة في الدول التي تمتلك كميات كبيرة من الغاز والنفط التقليديين، والدليل أن الدراسات تشير إلى عدم وجود هذا النوع من مصادر الطاقة في الخليج.

لكن الدكتور مهران يشير إلى أرقام هائلة لاحتياطي الغاز الصخري الجزائري مثلا، ويوضح بالقول "الجزائر تمتلك حاليا 120 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، لكنها تمتلك 700 تريليون قدم مكعبة من الغاز الصخري. تقريبا ستة أضعاف احتياطي الصين من هذا الغاز".


هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية