رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. 4 أيام تكشف مافيا تجار الألومنيوم في مصر.. سرقة أعمدة الضغط العالي وتوريد الكابلات لمسابك "بير السلم".. وبيع الخام لأحد أشهر المصانع في مصر.. 4000 جنيه مكاسب الطن الواحد

فيتو

4 أيام كانت كفيلة بكشف مافيا تجار ألومنيوم في مصر، والتي تتم سرقتها من أعمدة الضغط العالي على مرأى ومسمع من الجميع، ويتم صهر المادة الخام في مصانع بير السلم، وإعادة بيع المادة الخام لأحد أكبر مصانع أواني الطهي في مصر، وتبلغ مكاسب اللصوص من سرقة الطن الواحد نحو أربعة آلاف جنيه.



البداية كانت برصد حالة القلق والرعب التى يعيشها سكان إحدى قرى مركز الصف جنوب الجيزة، حيث صوت الأعيرة النارية تأتي من ناحية الجبل والانقطاع الدائم للكهرباء يثير الشك في تلك المنطقة، وكانت النتيجة أن السبب وراء ذلك هم لصوص كابلات الضغط العالي المارة من صحراء مركز الصف من ناحية عرب الحصار.


وتمكنت "فيتـو" من الوصول إلى أحد مسابك الألومنيوم بالمنطقة وطلبنا العمل فيه فوافق صاحب المصنع على الفور نظرا لاحتياجه الشديد لعمال بالمسبك نتيجة رفض أهالي المنطقة العمل بالمسبك لعدم تعرضهم للخطر.

اليوم الأول من العمل

يقع المسبك في منطقة صحراوية بعيدًا عن المساكن وبداخله كميات كبيرة من أسلاك الألومنيوم العارية تبدو من بعيد أنها كابلات الضغط العالي، طلب منا صاحب المسبك فرد بعض اللفافات الضخمة من الأسلاك على الأرض ثم تقطيعها بمقص حدادي يبلغ طولة مترين ، وبعدها نقوم بفك هذه "الضفيرة" الألومنيوم أو الكابل بالكامل لنزع "سلك صلب" يقع في منتصف كابل الألومنيوم , ثم رص كابلات الألومنيوم النقية فوق بعضها بعد نزع الصلب منها وإلقائها في إناء كبير تصل مساحته إلى 2 متر مربع , ويقع في قاع الإناء كمية كبيرة من فحم الكوك.

يضم الإناء فتحتين جانبيتين لإدخال النار بشكل مباشر على فحم الكوك, وبجانبه خمس أسطوانات بوتاجاز كبيرة متصلة بـ"ماتور" هواء , يقوم بضغط النار على الفحم مما يساعد في صهر كابلات الألومنيوم بطريقة سريعة، ويتم وضع كميات كبيرة من الكابلات على حامل معدني أعلى الإناء وفى أقل من دقيقتين تنصهر الأسلاك الألومنيوم لتصبح سائلا معدنيا مصهورًا .

يملأ الإناء الضخم ثم يقوم الصنايعي أو "الفران بغرف السائل المعدني بآلة كبيرة تسمى "الكبشة" ويقوم بصبه في "فرم" صغيرة مساحة 10 كيلوجرامات ويتركها في الهواء لمدة ربع ساعة حتى تتماسك السبيكة تمامًا ثم نقوم نحن العمال بإخراج سبيكة الألومنيوم من الفرمة، تستمر هذه العملية مرارا وتكرارا حتى يتم صهر كمية الكابلات النقية.


اليوم الثانى من العمل

وفى الساعة الرابعة صباحا وجدنا طرقا شديدا على باب المخزن فقام صاحب المسبك بفتح الباب على مصراعيه ودخلت سيارة ربع نقل مغطاة بأكياس بلاستيك "مشمع" وقمنا بتعريتها فوجدنا كابلات ضغط عالي، وعلى الفور وضعناها على الميزان وسجل وزنها نحو 2 طن ألومنيوم, بعدها دفع صاحب المصنع حساب الكابلات للمسوقين الملثمين , بواقع "بـ4 جنيهات للكيلو , فأعطاهم 7 آلاف جنيه وخصم ألفًا مقابل الصلب الموجود داخل الكابلات، وتم بعدها فصل الألمونيوم وصهره .

الليلة الموعودة:

وبعد نحو أربعة أيام من العمل جاء أحد لصوص أبراج الضغط العالي ويدعى "س.ف" وطلب من صاحب المسبك والمدعو "أ.ح" بإرسال أحد العمال معه إلى الجبل حتى يقوم بجمع الكابلات من تحت الأبراج لأنهم في حاجة إلى لص ثالث فقمت أنا على الفور وعرضت عليهم الذهاب فوافق صاحب المسبك وقال للآخر: "خد بالك منه الواد لسه جديد وبتاع مدارس"، ثم ركبنا سيارة "لاند كلوزر" بها سلاح آلي وشنطة بها عدد كبير من الطلقات النارية وقطعنا مسافة قصيرة في وسط الصحراء حتى وصلنا إلى مكان قطع الكابلات.


وجدت شخصين ومعهما سيارة نصف نقل وقام "س.ع" بفتح نور سيارتها "اللاند كلوزر"، ثم قام الشخص الثاني ويدعى "خ" بربط خطاف حديد في حبل تيل سميك ثم ألقاه لأعلى كي يمسك بكابل الضغط العالي، وحاول مرتين وفشل الخطاف في الإمساك بالكابل وفى المرة الثالثة أمسك به.

وقام "خ" بربط الحبل بإحكام في مؤخرة السيارة النصف نقل وقام سائق السيارة بدفع سيارته للأمام عدة دفعات قوية , حتى تم إفلات الكابل الألومنيوم من على العمود مما سبب حدوث ماس كهربائي أنار سماء المنطقة عند وقوعه .

وبعدما وقع الكابل على الأرض قام "خ" بإخراج مقص حديد يبلغ طوله نحو 3 أمتار مغطى بمادة بلاستيكية عازلة للكهرباء وقص الكابل من الناحية المعلقة , ووقع الكابل على الأرض وعلى الفور قمنا بتقطيعه عدة وصلات طويلة حتى نتمكن من حمله ووضعه في السيارة والكابل الذي قمنا بقطعه وصل وزنه إلى نصف الطن.


واستمرت العملية ذاتها وسرقنا كابلا آخر بنفس الطريقة , حتى امتلأت السيارة بالأسلاك ثم رجعنا إلى المسبك قبيل طلوع الفجر.


الكابلات من الصهر إلى البيع


أما عملية البيع سبائك ألومنيوم المصهورة فتباع لأحد أكبر شركات إنتاج أواني الطهي والأدوات الكهربائية وقطع غيار السيارات بمدينة 6 أكتوبر , عبر وساطة سمسار ألومنيوم داخل الشركة بشراء كل الكميات الموجودة لدى صاحب المسبك وهو يعرف أنها تأتي بطريقة غير شرعية , حيث يتم بيع الطن مقابل 8 آلاف جنيه , وهو ضعف ثمنه قبل صهرة .

المفاجأة الكبرى كانت فى أن شركات أواني الطهي كانت تشتري الكابلات الكهرباء من اللصوص مباشرة وتقوم بصهرها داخل الأفران الخاصة بها مستغلة بذلك حالة الانفلات الأمني التى شهدتها البلاد منذ ثورة 25 يناير , ولكن بعد عودة الاستقرار الأمني عادت مرة أخرى لشراء الألومنيوم من السماسرة في صورة سبائك .


حاميها حراميها


ومنذ وقت سابق قامت شركات الكهرباء بالمنطقة وبالأخص الشركة الشرقية لإنتاج الكهرباء "الكريمات" بتعيين خفير على أعمدة الكهرباء المارة في الصحراء لوقف سرقة كابلات الضغط العالي التي لا تنتهي , وقامت بتعيين "ا.ع" لحراسة هذه الكابلات ولكن الشيء المفزع أن هذا الخفير كان يشترك مع اللصوص في عملية السرقة بحيث يسمح لهم بسرقة الكابلات مقابل ثلث مبلغ البيع.


يذكر أن منطقة عرب الحصار وعرب أبو ساعد وعرب العيايدة وعرب الحصار البحرية بمركز الصف ينتشر فيها عدد كبير من مسابك الألومنيوم وينتشر فيها عدد كبير جدا من مافيا لصوص كابلات الضغط العالي الذين ينهبون أموال الدولة كل يوم دون رقابة أمنية ،أو تشديد من شركات الكهرباء التي تقوم بتغيير الكابلات المسروقة كل يوم حتى تسير عملية نقل الكهرباء إلى الأماكن المختلفة.


خسائر فادحة


ويقول المهندس جابر دسوقي رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر أن ظاهرة سرقة كابلات الضغط العالي أصبحت ظاهرة منتشرة في معظم أنحاء الجمهورية وخاصة في المناطق العشوائية والقريبة من الصحراء وكبدت وزارة الكهرباء خسائر فادحة بلغت قيمتها 8 مليارات جنيه سنوياً بجانب الجهد الذي يبذله فنيو شركات الكهرباء بسبب تغيير الكابلات التي تسرق يوميا.


وأكد دسوقي أن شرطة الكهرباء وحدها لا تستطيع كبح هذه الظاهرة ويجب أن تقف بجانبها قوات الجيش وأهالي المناطق النائية أصحاب الضمير للحد من انتشار ظاهرة سرقة كابلات الضغط العالي والحد من إهدار المال العام .


وأكد دسوقي أن الشركة القابضة تلقت عدة إخطارات من إدارات الكهرباء بالمناطق النائية بوجود مسابك ألومنيوم تقوم بتحريض اللصوص على سرقة كابلات الضغط العالي , مطالباً فى الوقت ذاته وزارة الداخلية والقوات المسلحة بتمشيط هذه المناطق وغلق المسابك غير المرخصة حتى تتلاشى ظاهرة سرقة أبراج الضغط العالي .
الجريدة الرسمية