للشرطة قبيلة وللنيابة عائلة في الغربية!
الذين ذهبوا للتظاهر ضد قانون تنظيم التظاهر دون الحصول على إذن وجدوا أنفسهم محاصرين بتساؤلات منطقية، دار معظمها حول محاولة البعض كسر الدولة، وقلنا ومعنا كثيرون إننا على استعداد للتضامن مع هؤلاء شريطة أن نحصل على إذن مسبق للتظاهر ضد قانون التظاهر.. جميل؟.. نعم: جميل.. أما الذي ليس جميلًا بالمرة أن وزارة الداخلية التي أرادت من الجماهير أن تتعاطف معها في موقفها عند مواجهة الخارجين على القانون خرجت هي ذاتها عن القانون وفعلت ما هو أبعد من ذلك.
في محافظة الغربية وقع خلاف بين النيابة العامة وقوات الأمن إثر قيام ضابط بوضع كلبشات في يدي معاون نيابة، وهو الأمر الذي حدا بالنيابة إلى التصرف القانوني حيال ضباط ثلاثة، فأمرت بحبسهم فماذا حدث ؟..
الضباط لم يسلموا أنفسهم.. عظيم؟.. لا طبعًا مش عظيم.. وزاد الطين بلة أنهم حرضوا زملاءهم من الأمناء أو أن زملاءهم الأمناء تعاطفوا معهم دون تحريض وقاموا بسحب قوات الحراسة من أمام النيابات والمحاكم.
هكذا أنزلت قوات الشرطة العقاب على رجال النيابة، وذلك انطلاقا من شعار الدفاتر دفاترنا وترجمته إلى القوات قواتنا، والسلاح سلاحنا، ومن لا يعجبه موقفنا عليه أن يتوجه إلى سد النهضة أو أن يعيد قراءة مشروع النهضة، ولا يحاول مرة أخرى استعادة المعنى والمغزى الحقيقي وراء تمثال النهضة.. هنا نصبح أمام حالة عقاب أمني للنيابة وبالطبع لا يعني هذا أنني أعفي النيابة من الخطأ والاعتراف بخطأ النيابة لا يعطي المحامين الحق في حصارها أو عقابها، وإنما اتباع الوسائل القانونية المتبعة في هذا الشأن.
قبيلة الشرطة أصبحت في مواجهة عائلة النيابة, وبدأت تحركات المساعي الحميدة بالضبط مثلما يحدث عقب كل حادث طائفي يخرج الجاني من جريمته كالشعرة من عجين وزير التموين.. ذلك العجين الذي وعدنا سيادة الوزير بأنه يحمل ملامح جديدة بعد ستة أشهر عندما قال إن مصر على موعد مع رغيف جديد في هذا التوقيت.. ربما يكون رغيفًا على رأسه ريشة.
الحق أقول إن صدمة هذا المشهد هي الطعنة الكبرى وسط مشاهد كلها طعنات، فالجامعات تغلي والنقابات تشتعل والغلابة يطحنون يوميًا، والقوى السياسية تتنافر أكثر فأكثر، والاقتصاد يحتضر، والشرطة تعلن ببساطة أنها سحبت قواتها من أمام النيابات والمحاكم.
جولات مكوكية من هنا وهناك كلها تتحرك لإقناع الشرطة بأنها غير مختارة في أمور الأمن، وأن واجبها ليس قائمة طعام تختار منها ما تشاء وترفض ما تشاء.. حوارات تدور ومناقشات لا تنتهي ومفاوضات بين الجانبين كلها تصب في خانة التخلف والجهل وعدم الوعي بمقتضيات العمل الأمني.
مثل هذه الأمور لم نرها إلا في جماعة الإخوان الشيطانية عندما يرفض الطبيب علاج طفل لأن اسمه السيسي، ويرفض مستشفى إخواني خاص علاج صحفي اعتدت عليه جماعة بديع.. هكذا انتقل الطبيب من خانة الإنسان إلى مربع الحيوانات لأنه تصور نفسه قبيلة، والمرضى قبيلة أخرى.. هذا بالضبط ما فعلته جماعة الشرطة وواجهته عائلة النيابة.
إذن نحن أمام قبلية انتشرت عدواها بين جميع الأوساط، وربما شهدنا هذا الصراع المرير داخل لجنة "الخمسين" عندما هبت كل طائفة تطالب بوضع خاص في الدستور، ولم يتحدث أي منها عن وضع البسطاء والمطحونين وملح الأرض إلا عندما نبههم إلى ذلك عاقل ربما تواجد بالصدفة بين الحضور.. قبيلة المحامين طلبت وضعًا خاصًا، وقبيلة المرأة طالبت بوضع خاص، وقبيلة العمال والفلاحين طالبت بوضع خاص، وقبيلة الأقباط طالبت بوضع خاص، وظلت قبيلة الشعب بلا ممثلين حتى استفاقوا وأفاقوا وعادوا إلى نصف رشدهم فهل يعود العقل لقبيلة الشرطة؟!.