رئيس التحرير
عصام كامل

وداعا آخر أصدقاء جمال عبد الناصر!


يندر أن تجد ثائرا حقيقيا في النصف الثاني من القرن العشرين لم يلق مساعدة أو دعما أو تأييدا أو رعاية أو حماية من عمدة ثوار القرن العشرين الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.. من لومومبا إلى "بن بيلا".. ومن الخوميني إلى جيفارا.. ومن نكروما إلى سيكتوري.. ومن السلال إلى عرفات.. ويبقى لمانديلا معه تفرده وتميزه..


فالدعم من هنا إلى هناك لا حدود له.. وتطهير القارة السمراء من العنصرية البغيضة هدف ابن النيل الأسمر.. والثائر هناك في سجون المستعمر.. ولقاء بينهما لم يتم.. ويرحل عمدة الثوار والوجع في جنوب القارة.. وبعد سنوات من الدموع والدم والقيود والحديد والقضبان ونيران العنصرية التي تحرق كرامة وحقوق أبناء الأرض.. تتحرر جنوب أفريقيا.. ويسقط من لا يستحق عن حكم ما لا يملك.. وتتطهر الأرض الطيبة من دنس التفرقة.. وتتحرر معها روديسيا.. وتعود إلى اسمها الحقيقي "زيمبابوي"..

ويتذكر الثوار الشرفاء فضل أهل الفضل وفضل صاحبه.. وصاحب الفضل هناك عند ربه.. ولكن قبره وشعبه هنا على ضفاف النيل.. وتشد رحال الثوار إلى القاهرة عاصمة الثورة في العالم الثالث.. من هنا تحرر الإنسان.. ومن هنا تغير القاهرة العالم.. هنا قبلة الأحرار ولا فخر.. بل فخر وفخر..!

ويأتي مانديلا ويقول إنه جاء إلى هنا لأنه على موعد تأخر ربع قرن..! يقول إنه جاء إلى هنا ليزور النيل والهرم وقبر جمال عبد الناصر.. وامام ضريحه يعتذر عن تأخره عن موعده.. كان على موعد معه ويسقط في الأسر قبل خروجه إلى القاهرة.. وامام القبر يخاطبه والدموع في عينيه ويقول: " كنت هناك في جنوب القارة أقف على أطراف أصابعي حتى تراني.. عفوا.. تأخر موعدي معك 25 عاما كاملة"!

ويشعر مانديلا بالخجل من منافسة جنوب أفريقيا مع مصر قبل سنوات على تنظيم كأس العالم ويقول إنه لو كان عبد الناصر حيا لما تجرأنا على ذلك.. وكنا قد تنازلنا فورا لكن للأسف ناصر لم يعد هناك!

مانديلا.. رمز الصمود والتحدي والإرادة.. معيار التمسك بالمبادئ وبالقدرة على دفع الثمن من أجلها.. حتى صار أسطورة إنسانية خالدة..

مانديلا.. السياسي المناضل.. والمناضل الشريف.. والشريف الثائر.. والثائر الزاهد.. والزاهد المقاتل.. والمقاتل الأسطورة!

وداعا آخر أصدقاء جمال عبد الناصر في القارة التي أصبحت حرة!
الجريدة الرسمية