رئيس التحرير
عصام كامل

مجلة البوليس تدعو إلى الاستفتاء على الدستور

الرئيس الراحل جمال
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر

نشرت مجلة البوليس في عددها رقم 14 الصادر بتاريخ 7 يناير 1956 مقالًا للبكباشى أحمد الوتيدى رئيس التحرير تحت عنوان "الدستور الجديد "يقول فيه: 

بعد أيام قليلة فقط وبالتحديد في ١٦ يناير يعلن الرئيس جمال عبد الناصر الدستور الجديد وما سوف يترتب عليه من إقامة النظام البرلمانى في البلاد.

وقد أعلن الرئيس هذه الحقيقة منذ أشهر، أعلنها في ٢٣ يوليوالماضى ورددها القائمقام أنور السادات في بيروت منذ أسابيع ومنذ أذيع إعلان الرئيس، وعندما أخذت الأيام تتعاقب وأصبح بيننا وبين اليوم الموعود أسبوع أو نحوه أحس بشعور غامض يجتاحنى ويؤرقنى دائما وتمر أمامى صور متداخلة لأيام مضت وصور غامضة لأيام قادمة.. وأحس هذا وذاك بشيء كثير من الوجل والحقوق..

نعم كان لنا دستور.. وكانت لنا حياة نيابية وهذا بالذات الشيء الذي يجعلنى نهبا موزعا بين الخوف والقلق.. لقد ارتبط لفظ الدستور في نفس بذكريات أليمة وارتبطت الحياة النيابية في ذكراتى بأيام حزينة سنة سوداء..

لقد عشنا ذات يوم في ظل نظام قيل إنه دستور… وقدمت مصالحنا على مذبح قيل إنه البرلمان.. فكرهنا الدستور وسئمنا البرلمان.. وأصبح الدستور والبرلمان.. شيئين كريهين يذكرنا بعهد غابر لم نتنفس الصعداء إلا بعد أن زال وانقضى ورانت عليه أغطية النسيان.. وأشرقت على البلاد نسمات الثورة البانية..

لقد كنا نحن رجال البوليس.. بحكم صلتنا بالحاكم والمحكوم أشد طوائف الأمة شعورًا بما وصل إليه الحال.. كنا نعلم تماما كيف تحكم مصر في الحقيقة لا في الظاهر.. وكنا نحس بالمعنى الحقيقى لكلمة الدستور.. وبالمفهوم الخاص لمعنى الحياة البرلمانية والبرلمان..

رأينا الشهوات تقود الأمة وتكون مواد الدستور التى حكمنا بها أيدى الطغيان.. رأينا المصالح.. مصالح العرش الهاوى والإقطاع الزائل تسخر الدستور لصالحها ولم يكن في ذلك شيء غريب، فإن هذه الأيدى الملوثة هي التي خطت سطور الدستور البائد.. خطته لكى يسمح لها بتحقيق أغراضها لا في ظله فحسب بل تحت حمايته..

وكان لنا برلمان.. هو الهيئة التي نوط بها أن تشرف على تنفيذ الدستور.. ولم تكن تلك الهيئة بأقل من سادتها شهوات.. ولم تكن أرحم بها من الدستور فرأينا مقاعد تقسم.. يقسمها أصحاب الأرزاق على المرتزقة ويتقاضاها المرتزقة من الشعب ويسخرون بعد هذا وذاك دستورهم المزعوم لكفالة قانونية أفعالهم..

رأينا مقاعد الدستور تباع وتشترى لمن يدفع الثمن الكبير.. وكان الثمن دائمًا دما من دم الشعب وعرقا من عرق الشعب ودموعا من دموع الشعب..

ورأينا سوقًا سوداء.. تعقد في وضح النهار.. علانية تحت الأسماع والأبصار.. إنها سوق الحزبية التي لم تكسد أبدا إلا يوم قامت الثورة.. 

هذه الذكريات الحزينة تثب إلى ذاكرتى وكلما سمعت عن الدستور وعن البرلمان.. هذه الذكريات هي التي تجعلنى أنتفض اليوم وينتابنى القلق والوجل والخوف…

ولكننا كما قال الرئيس جمال لا نريد إعادة الحياة النيابية البائدة.. نريدها حياة برلمانية جديدة.. أو حياة برلمانية فحسب.. فتلك التي مضت لم يكن لها من البرلمانية إلا اسمها.. نريد دستورًا توضع مواده من حاجاتنا وتسطر بنوده من أهدافنا.. نريد دستورًا يحفظ علينا ما وصلنا إليه ويدفعنا للأمام ونريد برلمانا لا يدخله إلا أبناء مصر الذين يشعرون بأن النيابة عن الأمة عبء وتكليف.. وأن لها ضريبتها من جهد وكفاح..

إن الذين قاموا بالثورة لا ينكصون على أعقابهم.. وسوف يكون من الدستور الجديد دافعا جديدا كى نسير إلى الأمام أنهم خرجوا من صفوف الشعب وإحساسهم بالشعب هو الذي دفعهم للقيام بالثورة وهذا الإحساس نفسه هو الذي يدفعهم الآن إلى إعلان الدستور الجديد..

إنها ذكريات حزينة لأيام سوداء لا يلاشيها إلا الأمل الباسم الذي تنفرج عنه شفاء المستقبل القريب بإذن الله.
الجريدة الرسمية