رئيس التحرير
عصام كامل

فقط تسجيل موقف حول الدستور الجديد (1)


يقول الله تعالى على لسان سيدنا الخضر لسيدنا موسى، "وكيف تصبر على ما لم تحط به خُبرا"، دالاً على أن الإنسان حينما لا يعلم لا يستطيع الصبر واستلهاماً من تلك الحكمة أُريح القارئ قبل أن أستريح بتسجيل موقفي من الدستور الصادر عن لجنة الخمسين، وقد وعيت مزاج الشعب المصري اليوم.


فالكثيرون سيتوجهون إلى صناديق الاستفتاء بتوجيه إعلامي دون قراءة ليصوتوا "بنعم"، وأظن أنه لو وقع التصويت اليوم لاكتسح الرأي القائل "بنعم"، وحاز الدستور نسبة موافقة تزيد على الـ 75 %!! وبذا أكون قد أرحت أكثر القُراء، المُقتنعين من جراء التوجيه الإعلامي بالتصويت "بنعم"، بأن رأيهم هو السائد!!

ولكن التصويت على الدستور أمر شخصي، ولا دخل لي فيما سيقوله غيري، لأنني أؤمن بحرية الرأي، وليس كما المُتكلمون بالديمقراطية الذين يحثون الناس على التصويت بنعم، لأن "لا" وفقاً لهم، ستودي بالبلاد إلى الفوضى. وهذا الكلام غير صحيح، بل هو اعتداء على الحق والديمقراطية!!

والصحيح، أن هذا الدستور هو ما سيودي بنا للفوضى، ولهذا السبب ولأنني أعرف أن الكثير من الناس شديدي التأثر بالإعلام، أسرد رأيي في أكثر من مقال، كتسجيل موقف للتاريخ، فإن لم يثبت التاريخ وجهة نظري أعلنت خطأي دون التخلي عن وثيقة نُشرت بقلمي وإن صح رأيي كانت الوثيقة شاهدة عليه.

فعندما تقرأ الدستور، تجد فيه قيما إنسانية راقية، لا لبس فيها ولا يمكن لإنسان أن يرفضها، إلا إن كان يريد التخلف والرجعية. ولكن، لا يُمكن أن يُحقق الدستور قيماً عُليا، إلا إن كان المجتمع وثقافته مؤهلين لتلك. ونحن في مصر لا نزال نخطوا خطواتنا الأولى نحو الديمقراطية والانصياع للقانون عن قناعة. وهكذا، فان انعدام وجود تلك القيم، إنما يعني، أننا سنخطو نحو فوضى أكبر من تلك التي نحياها!!

إن سرد مساواة المواطنين في كل القيم الرائعة تلك بنصوص دستورية وليس قانونية، كما هو مُفترض، إنما يخلق وثيقة ملائكية وليس أرضية، وهو ما يترتب عليه الفوضى حال عدم تطبيق الدولة لتلك الوثيقة فور إقرارها، وهو ما لا تستطيع الدولة بالفعل القيام به.

وبذا فإن في تلك الوثيقة ضمانة أساسية لإرساء الفوضى بالفعل. فالملائكة وليس البشر، هم من يحيون في الجنة الآن، والإنسان به ميزات وعيوب. ومن لا يحيا في غير بيئته، لا يستطيع إلا أن يُجاري غير طبيعته بينما تبقى طبيعته مُرشدة له، وهكذا تُخلق المجتمعات المنافقة!!

كما أن قاعدة إنسانية أساسية، تؤكد أن المبالغة في أي شىء يقلبه إلى عكسه. فمبالغة المنتمين لـ 25 يناير في تطبيق الحرية قلبتها إلى الفوضى. وهذا الدستور يُكرس لتلك النقطة من مُنطلق "يساريته الشديدة"، فيصنع مجتمعاً مُتطرفاً، على عكس طبيعة المصريين. فالقيم المثالية حينما لا تُطبق، تؤدي إلى الانقلاب لعكسها، وقد رأينا كيف تحول العاملون في مجال الدعوة الدينية ومع تطرفهم إلى مُستغلي دين!!

إن ما يُطمئنني اليوم إزاء هذا الدستور "النظري المثالي"، أنه لا يُمكن إلا أن يكون "دستوراً مؤقتاً"، إلا حال الاعتداء عليه بموافقة الشعب المصري، بتولى الإدارة العسكرية حكم البلاد، لأن الأحزاب التي يُكرس الدستور لاعتلائها السلطة لن تستطيع الإدارة كونها أحزاب فاشلة منذ بدء نشأتها عام 1976، ما يتيح للإخوان العودة من أبواب خلفية للمشهد السياسي، ولسنا على استعداد كل فترة لتدشين ثورة جديدة!!

لذا سأصوت "بلا" على الدستور، لأنني لا أرضى أن أُضيع وقت مصر بمزيد من العبث أو أن نُحكم بدستور أعرج!!
وللحديث بقية،
وتحيا مصر
الجريدة الرسمية