بعض النشطاء يريدونها فوضى
قامت مؤخرًا مظاهرات للاحتجاج على قانون التظاهر الجديد، الذي أصدرته الحكومة وما ترتب عليها من مصادمات عنيفة بين قوات الأمن التي صممت على تطبيق القانون والمتظاهرين الذين مارسوا سلوكهم التقليدى في الهتافات العدائية للشرطة وللقوات المسلحة وتعمد اصطدامهم مع قوات الأمن.
ما حدث هو نتيجة لأزمة لعدد من التغيرات الكبرى التي حدثت في المجتمع المصرى منذ ثورة 25 يناير.
هذه الثورة- بكل المقاييس- ثورة مجيدة، لم يقم بها مجموعة من الشباب الغاضبين بقدر ما قام بها الشعب المصرى بكل فئاته، والذين ازدحم بهم ميدان التحرير طوال ثمانية عشر يومًا حافلة بالمطالبات الثورية وبالإصرار على إسقاط النظام ورحيل الرئيس "مبارك".
ومن هنا ليس هناك أي مجال للتخرصات من قبل بعض المراهقين السياسيين الذين اتهموا الثورة زورًا وبهتانًا بأنها نتيجة مؤامرة أجنبية قام بها مجموعة عملاء!
هذا تشويه حقيقى للتاريخ.. كما أن المناظرات العقيمة التي دارت بين أنصار 25 يناير وأنصار 30 يونيو تدل على انعدام الوعى السياسي لدى المشاركين فيها.
تحول المجتمع بعد 25 يناير، وظهرت فئة الناشطين السياسيين التي حلت محل فئة المثقفين التقليديين، وأصبح من الصعوبة بمكان تحديد الهوية الأيديولوجية أو الانتماء السياسي لهؤلاء النشطاء.. فبعضهم – كما يعلن الاشتراكيون الثوريون- يهدفون إلى هدم الدولة وتفكيك القوات المسلحة، وبعضهم لا هوية له على الإطلاق، وفئة ثالثة ترفع شعارات ليبرالية لا تعرف عنها شيئًا.
غير أن الظاهرة الغالبة كانت هي سيطرة الشارع السياسي على مجريات الأمور في البلد، بحكم تقليد "المليونيات" المتعددة التي قامت بها تيارات سياسية شتى، وتبلور الصراع بينها أخيرًا وأصبحت هناك جبهتان: جبهة ليبرالية وثورية وجبهة دينية تضم جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفى والجهادى، واحتدم الصراع بعد 30 يونيو على وجه الخصوص بعد عزل "محمد مرسي" وإعلان القوات المسلحة لخارطة الطريق، وتنفيذها بصورة منهجية أدت إلى الانتهاء من صياغة الدستور والذي سيطرح على الاستفتاء قريبًا.
غير أنه تبين أن هناك شراذم من النشطاء السياسيين ممن يحترفون الشغب، ويصرون على خلط الثورة بالفوضى، ويريدون بمظاهراتهم التخريبية هدم الدولة من خلال إثبات عجز أجهزتها عن ضمان الأمن وتحقيق الاستقرار السياسي.
في مقدمة هذه الشراذم جماعة 6 إبريل المشبوهة والتي تحالفت مع نظام الإخوان المسلمين من قبيل الانتفاع والانتهازية السياسية. وهذه الجماعة سبق لها أن مارست ضروبًا شتى من السلوك السياسي البذىء والذي كان نموذجًا له مظاهرتهم بالملابس الداخلية أمام منزل وير الداخلية.
ويضاف إلى هؤلاء مجموعات "الألتراس" الفوضوية والتي تحولت دون منطق واضح من التشجيع الرياضى إلى الشغب السياسي، وأصبحت ألعوبة في يد بعض القوى السياسية الرجعية.. أضف إلى ذلك مجموعة الاشتراكيين الثوريين.
غير أن أخطر ما في المظاهرات الأخيرة أن فريقًا من النشطاء السياسيين الثوريين أثاروا زوبعة كبرى ضد قانون التظاهر والذي هو ضرورة حتمية لاحترام كيان الدولة وضمان الأمن والاستقرار.
وأثاروا في هذا السياق حججًا تافهة من قبيل مخاطر عودة الدولة الأمنية، ومعارضة حكم العسكر، وضد الاعتداء – كما زعموا- على حقوق الإنسان!
وللأسف الشديد فهذه المظاهرات الغوغائية والاحتجاجات الفارغة هي استمرار لخط مستمر بدأ عقب ثورة 25 يناير، وتبنته جماعات شتى ممن يطلقون على أنفسهم "ناشطون سياسيون" وهذا الخط يتمثل في عبارة واحدة الثورة هي ممارسة الفوضى العارمة بغير حدود ولا قيود!