رئيس التحرير
عصام كامل

شاى بالياسمين فى الشورى


كان القرن الواحد والعشرين يدخل متلكئا عندما كانت جريدة العربي الناصري تتلكأ بدورها في دفع رواتب الصحفيين بفعل أزمة مالية طاحنة وقعت فيها عقب إصدار يومي استمر عاما برئاسة تحرير الكاتب الراحل عبدالله إمام، قبل أن تعود سيرتها الأولى في الصدور أسبوعيا تحت رئاسة الكاتب البارز عبد الله السناوي وتوأمه عبد الحليم قنديل.


في ذلك العصر والأوان – أكثر من عشر سنوات مضت اليوم- كنا كطاقم تحريري نبحث عن مخرج لاستمرار الصحيفة، وإعادة وجهها الحقيقي كجريدة معارضة ذات خط ثابت في الدفاع عن الشريحة الأوسع من المصريين عمالا وفلاحين، مثقفين ورأسمالية وطنية، جادة تعرف حق الوطن عليها.

بعض الزملاء نشط في الاتصال بمعارفه وشبكة علاقاته بحثا عن مساعدة ، خاصة أن مطابع الأهرام كانت تضغط لتحصيل ما لها من ديون ، وعندما ضاقت حلقاتها واتت أحدنا فكرة التظاهر أمام مجلس الشورى باعتباره المسئول عن تقديم المساعدات المالية المقررة للأحزاب حسب القانون، رغم علمنا أن الحزب الناصري - مالك الصحيفة- كان قد استنفد ما له من رصيد سنوي من تلك المساعدات، لكننا رأينا أن طرق هذا الباب ليس عيبا من أجل استمرار "العربي".

أمام مجلس الشورى، رفع الزملاء عددا من اللافتات التي تندد بخنق الصحيفة وضغوط مطابع الأهرام عليها، وصاحت بعض الحناجر بالهتاف ضد النظام، وزاد من الحماس حضور عدد من الفضائيات العربية ومراسلي صحف أجنبية لمتابعة حدث كان فريدا في ظل قبضة أمنية حديدية، ومع تزايد التفات المارة إلى ما يدور، إذ بأحد موظفي الشورى ومعه ضابط من قوة الحراسة يأتيان لمطالبتنا باختيار وفد من أربعة أشخاص للقاء الدكتور مصطفى كمال حلمي رئيس المجلس وقتها.

اتفق الزملاء على وفد الأربعة الذي كنت أحد أعضائه ، وترأسه جمال فهمي .. وقبل دخول مقر الشورى كان مؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي، والمناضل المعروف أبو العز الحريري ، العضوين في مجلس الشعب في ذلك الوقت، قد جاءا للتضامن معنا، حيث جرى استقبالنا بشكل ودود في مكتب الدكتور مصطفى كمال حلمي، الذي استمع إلى مطالبنا وتفهم الظروف التي دفعتنا إلى التظاهر.

وبعد نحو ساعة من الحوار والحديث عن دور صحف المعارضة في تشكيل الرأي العام، واقتراح من مدير مكتب الدكتور حلمي، تم الاتفاق على صرف ربع مليون جنيه، تخصم من مخصصات الحزب الناصري في العام التالي، وبعد أن جرى تدبير المبلغ من ميزانية بند يسمى الأدوات الكتابية، للمساعدة في تخطي "العربي" مشكلتها المالية، لنخرج من عند الرجل وطعم الشاي بالياسمين على ألسنتنا.

تذكرت تلك الأحداث وأنا أتابع ما جرى في الأيام الأخيرة أمام مجلس الشورى وجامعة القاهرة من وقائع تعكس غيابا في الرؤى، وقصورا في نظرة بعض من يتولون المسئولية الذين اكتفوا برمي الكرة في ملعب الأمن بعد أن تورط الجميع في إصدار قانون التظاهر،- رغم حاجتنا إليه- ، في توقيت غير ملائم.

نظام مبارك كان سيئا، لكنه لم يعدم بضع رجال أجادوا امتصاص الصدمات ، وتفويت الفرصة على معارضيهم بما أطال من عمر النظام الذي تهاوى مع ثورة 25 يناير، بعد أن صعد إلى سدة المشهد شخصيات فقيرة الفكر والخيال أمثال أحمد عز .
لا نريد تفجيرا لألغام على الطريق، بل نريد نزع فتيل الأزمات قبل اشتعالها، وهو ما يحتاج إلى بصيرة نافذة تضع في الحسبان من نحن وعلى أي أرض نقف.
الجريدة الرسمية