الديموقراطية لا تستحق اسمها
الديموقراطية فى العالم العربى تشبه البغل (عدم المؤاخذة) فهى بلا أصل
ولا مستقبل. وما أعرف عن تجارب الدول العربية بعد الاستقلال هو أن سورية عرفت ثلاث
سنوات أو أربعاً من الديموقراطية فى خمسينات القرن الماضي.
أدرك أن كثيرين لا يتفقون فى الرأى معي، إلا أنه رأيى وأصرّ عليه، وهو
رأى لم يمنعنى فى دافوس من حضور جلسة شارك فيها خمسة من رؤساء الوزراء العرب مثلوا
المغرب ومصر ولبنان وليبيا وفلسطين، سبقتها جلسة موضوعها «هل الديموقراطية بدأت تكسب»
شارك فيها الصديق عمرو موسى ووزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو والصحافى الأمريكي
توماس فريدمان.
فى هذه الجلسة قال الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية أن
الرئيس المصرى جاء إلى الحكم عن طريق انتخابات حرة، والمطلوب هو ديموقراطية مستمرة
لأن الشعوب تريد حياة أفضل، والديموقراطية ليست مجرد صندوق اقتراع.
داود أوغلو قال إنه لو عقدت الجلسة قبل سنتين لما تجرأ أحد أن يتوقع
تغيير الأنظمة فى مصر وليبيا وتونس واليمن، وهو رأى أن الشعوب العربية كسرت حاجز
الخوف وتقاتل دفاعاً عن كرامتها إلا أن الطريق طويل.
فريدمان ذكّر الحاضرين بأن الديموقراطية تعنى تقرير المصير وحق
التصويت والحرية ومؤسسات تحمى حقوق الأفراد وقضاء مستقلاً. وهو لاحظ أن
الديموقراطية بحاجة إلى صحافة مستقلة ومعارضة نشطة، ما ليس متوافراً فى مصر حتى
الآن.
فى جلسة رؤساء الوزارة شكا رئيس وزراء المغرب عبدالإله بنكيران من أن
الغربيين يطالبون العرب بالديموقراطية، فإذا جرت انتخابات ديموقراطية وفاز
الإسلاميون احتجوا.
رئيس وزراء مصر هشام قنديل قال إن الديموقراطية بحاجة إلى وقت لتثبت
أقدامها، وتحدث عن الانتخابات النيابية القادمة فى نيسان (أبريل)، واعترف بأن توقعات
المواطنين كبيرة وأن مصر تحتاج إلى مساعدة من داخل المنطقة وخارجها لتلبية طموحات
الناس.
رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتى قال إن الديموقراطية تعنى حرية ورشادة
فى الحكم وشفافية، ويجب أن تكون عندنا الثقافة الصحيحة لتأسيس الديموقراطية.
وأشار رئيس الوزراء الفلسطينى سلام فياض بدوره إلى مشكلة مواجهة
توقعات الناس، وقال إن بلادنا تعانى من نقص فى ثقافة الديموقراطية ودعا إلى مواجهة
الوضع.
أجد أن هذا الكلام يشرح واقع الأمة فمفهوم الديموقراطية عند الغالبية هو أن تعكس رأيه، وهذا لا يتسع لمعارضة أو مخالفة لذلك إذا جرت انتخابات حرة ولم يفز فريقه يصرخ «فاول».
حديث الديموقراطية تجاوز جلسات البرنامج المعلن للاجتماع السنوي
للمنتدى الاقتصادى العالمى إلى الحوارات الخاصة بين الجلسات. وفى حين أرجو أن يوصلنا
«الربيع العربي» إلى ديموقراطية فإننى أرجئ الحكم، وأقول اليوم إن الثورات العربية
بدأت فى الخريف، وجاء الشتاء فانزلقت قافلة الديموقراطية عن الطريق بفعل المطر،
وأنا بانتظار أن تنفض عنها وحول الشتاء وتعود للسير فى الاتجاه الصحيح.
فى غضون ذلك، أهتم بالاقتصاد أكثر من الديموقراطية فى مصر، فهو تعثر
والمصريون يعانون كل يوم ولا حل سريعاً فى الأفق.
الديموقراطية لا تستحق اسمها إذا جاع الناس، وقلت للأخ هشام قنديل على
عشاء أننى أقبل نصف ما قال أو أكثر، إلا أننى فى مصر لا أؤيد الحكومة أو المعارضة
وإنما المصريين. ولاحظت أنه يقدّر حجم المشكلة الاقتصادية التى تواجه البلد. إلا أننا
تحدثنا على خلفية فلتان أمنى وعشرات القتلى والجرحى فى مصر التى لا تخرج من أزمة
حتى تدخل أخرى.
أعاد إليّ كلام رئيس وزراء مصر فى الجلسات العامة وحديثى التالى معه
بعض الثقة فى المستقبل مع إدراكى أن الديموقراطية فى العالم العربى تحتاج إلى
«بروجكتور»، أو نور كشّاف قوي، لا قنديل، مع الاعتذار من الأخ رئيس الوزراء.
نقلاً عن الحياة اللندنية