قـــــراءة للمشهد السياسى
لا يزال المشهد السياسى المصرى مرتبكاً، وقد ازداد ارتباكاً بحلول الذكرى الثانية للثــورة، ومع هذا الارتباك تحددت مسارات القوى السياسية، وتبلورت فى مسارين رئيسيين لا ثالــث لهما، المسار الذى اختارته معظم القوى المدنية، والمسار الذى اختارته قوى الإسلام السياسى، وتحديد المسارات رغم كونه ظاهرة صحية، إلا إنه فى حالتنا يعد ظـــاهرة مرضيــة، لأنه لا توجد نقاط تقاطع أو نقاط "تماس" بين المسارين، خطين متوازيين لا يلتقيان، وهنــا مــكمــن الخطر فى الأمر، فالقوى المدنية مع شباب الثورة، يتبنون مجموعة من المطالب التى يرون أنها تمثل خروجاً من المأزق الحالى الذى تمر به البلاد، وقوى الإسلام لا تعير هذه المطالب اهتماماً لأنها تمثل خروجاً على الهدف الإستراتيجى لهم، وهو "أسلمة الدولة" وفقاً لرؤيتــهـــم، وهم يرون أن البلاد لا تمر بمأزق حقيقى، وأنها بما يفعلونه تسير فى الاتجاه الصحيح ، وأن المأزق هو مأزق متوهم لأنه يخص القوى المدنية الملفوظة اجتماعياً، ولا تجد لها موطئ قدم فى الشارع السياسى، والمراقب المحايد يذهب فى اتجاه أن الثورة المصرية فى المجمل لم تحقق أهدافها، وأنها قد سرقت بالفعل ، وسارقوها يوجهون دفتها وجهة أخرى، ويدفعون المجتمع والدولة بقوة فى هذه الوجهة بغض النظر عما تدوسه الأقدام، فداست القضـــــاء وأحكامه، وداست القانون، وداست الإعلام وحرية الرأى، وداست أهداف الثورة، وداست الثوار، ودسترة الباطل، وفى ظل حالة الاحتقان الشديد التى مرت بها البلاد، إبان الذكـــرى الثانية للثورة ، وبمناسبة إصدار الحكم فى مذبحة بورسعيد، لف الصمت سلطات الـــــدولة وكأنها قد غيبت عن عمد، فسقط الشهداء فى السويس وفى بورسعيد والإسماعيلية ، واشتعلت المظاهرات العنيفة فى معظم المحافظات، ثم خرج السيد الرئيس فى كلمة إلى الأمة ذاعها التليفزيون المصرى، وإذا بهذه الكلمة تصب الزيت على النار.
وقد تمحورت حول خمس نقاط هى: النقطة الأولى "شكر الشرطة على ما قامت به، وحثها على التعامل بمنتهــــى الحزم والقوة، فى حين أنها اغتالت شباب بورسعيد بأعداد وفيرة، وهجمت على الجنـــازة الجماعية، وتعدى الجرحى رقم الألف، كما أنها قتلت ثوار السويس بخـــلاف قتــيــــــل الإسماعيلية، زد على ذلك إعلان حالة الطوارئ فى مدن القناة، قد يقال إن الطــــــوارئ بقصد تأمين المجرى الملاحى إلا أن التأمين لا علاقة له بذلك، وتلك هى النقطة الثـــــانيـة، أما النقطة الثالثة فهى الدعوة لاحترام أحكام القضاء، ومعلوم للقاصى والدانـــى أن أحـــكام القضاء قد أهدرت، وتم التعدى على القضاة، ومحاصرة المحاكم من جانب أنصار الرئيس.
ولذا.. فهى دعوة باطلة، والنقطة الرابعة وهى اتهامه للثوار الذين يتظاهرون فى ذكرى الثورة بأنهم الثورة المضادة.. مضادة لمن؟!.
والنقطة الخامسة وهى دعوة القوى الوطنية والشرفاء من أبناء الوطن للحوار، دعك من أسس الحوار وآلياته وأهدافه وآلية الالتزام بنتائجه، فكل ذلك غير موجود ولن يكون.
وتوقف معى عند عبارة المواطنين الشرفاء، فهل غير الشرفاء نزعنا عنهم حق المواطنة، وصادرنا حقهم فى المشاركة فى الوطن بما فى ذلك الحوار؟، وما هى المعايير التى جرى على أساسها تصنيف المواطنين لشرفاء وغير شرفاء، بغير سند من القانون؟.
ولذا فقد كان طبيعياً رفض الحوار، وتغيير المسار من جانب القوى المدنية والثوار.