رئيس التحرير
عصام كامل

خداع عاطفنا الكبير ومصرهُ الطرية


إعتذار واجب: بدايةً وقبل الخوض فى المقال، أعتذر لأننى كتبت مقالاً يوم الجمعة الموافق 12 نوفمبر 2010، فى الموقع الإلكترونى لجريدة اليوم السابع، بعنوان "فى تركيا: إسلاميون علمانيون.. ولدينا أيضاً!!" مدحاً فى فكر عبدالمنعم أبوالفتوح، حيث ساهمت فى خداع الناس دونما قصد منى، حيث صدقته وقتها بعكس ما تكشف لى من مواقفه بعد 25 يناير 2011. واحتراماً للقارئ أينما كان ولضميرى، أعتذر عن هذا الخطأ وقد أزف الوقت، حيث استُخدم ذاك المقال فى بعض الدعاية الفكرية لأبوالفتوح وقت الانتخابات الرئاسية وفقا لما قاله لى بعض ممن كان فى برنامج دعايته، وكنت أعتصر ألماً من ذلك، لأننى أتحمل جزءً من الخطأ وإن كان بسيطاً، فهو لى قاسيا لأنه يمُس الحق فى بلادى، ولا أرضى أبداً أن أكون معتديا عليها ولو بحرف، أصبحت على يقين أنه خطأ!!

أُنتج فى العام 1979 مسلسل شهير اسمه "أبنائى الأعزاء.. شكراً"، كان بطله الأساسى النجم الراحل العظيم عبدالمنعم مدبولى، وكان معه الكثير من النجوم منهم الفنان صلاح السعدنى، فى دور "عاطف"، وكان عاطف دوماً يريد "إرضاء جميع الأطراف" لينتهى المسلسل بالدرس الطبيعى له، وبأن هذا أمراً مستحيلاً!!
ورُغم أننى على يقين بأن عبدالمنعم أبوالفتوح يُدرك تلك الحقيقة جيداً جداً، فإنه "عاطفنا الكبير" أو "ملك الإصطفاف" الوطنى الخادع، فيعلن دوماً رغبته فى إرضاء جميع الأطراف، ولكنه فى اللحظات الفارقة يُظهر أنيابه الإخوانية بوضوح لا يقبل اللبس. فهو يزور المبادئ، ويتخطى بذلك الحق والعدل للإنسان بغض النظر عن هويته.
فكُلما تعرض الإخوان لأى أزمة، وجدت أبوالفتوح فى الصفوف الأمامية مُدافعاً عنهم، وليس عن الحق الذى يدعى تمثيله، وهو بهذا إنما يُفضل الإخوان ويراهم فى حد ذاتهم، "الدولة"، وليس مصر. وبالطبع، لا ألوم مشاعره تجاههم لأنه منهم وهم منه مهما حاول التنصل. ولكن ما ألومه عليه، هو خداعه للناس باسم الاعتدال والدين، بينما يؤمن بأن حسن البنا قاتل النفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق، هو أباه الروحى، وسيد قطب، مُكفر الأمة فى مُجملها هو مثله الأعلى. فلا داعى للخداع بينما الرجل قال بأعلى صوته، بأن السادات قد باع الوطن، فأظهر أنه لا يعلم عن تاريخ مصر شيئاً، وأنه مُسف فى أحكامه على تاريخ مصر الذى لم يقرأه بعين السياسى الناضج ولكن الانتقامى، إلا إن ارتبط بإخوانه!!
ولقد كنت أتصور أن يُدين الرجل صديقه مرسى، حول ما بدر من قتل للمصريين تحت إدارته، بأكثر ممن قُتل فى ظل الرئيس السابق، مُعلياً من المبدأ من أجل الوطن. كنت أتصور أنه حينما هاجم من تحاور مع اللواء الراحل عمر سليمان، أثناء ما قيل عنه بأنه "ثورة 25 يناير"، إنما يرفض بالفعل التحاور مع القاتل – وفقاً لما كان يظُن الناس وقتها – على حساب الحق والعدل ودماء الأبرياء. ولكنه أثبت بمُبادرته للحوار بين الرئاسة والبرادعى وحمدين، أن المسألة بالنسبة له، وفى رُمتها، مسألة أشخاص، ولم تكُن يوماً، مسألة مبدأ!!
وهو بمُبادرته تلك، إنما يُلخص الوطن فى أشخاص، وليس فى "قضية". فهل يظُن أنه لو اتفق البرادعى وحمدين مع ذاك المُرسى، سينتهى الأمر؟!! لا يا دكتور!! الأمر ليس مُتمثلاً فى أشخاص أبداً ولكنه يتمثل فى مصر التى تُفضل إخوانك عليها!! ولن يهدأ أى شىء، باتفاق بعض الأشخاص، مهما بلغت مكانتهم، لأن الوطن، أكبر من أن يُختصر فى أوجه أو أسماء!!
لقد كان أبوالفتوح هو أول من قام مُدافعاً عن الجمعية التأسيسية الأولى للدستور حينما كان ينسحب منها المدنيين، لسيطرة المتأسلمين عليها، وأذعن للدستور الجديد الباطل بسرعة بعد التصويت المزور عليه، لأن الرجل يؤمن إيماناً شديداً بخطة "التمكين" للجماعة. وعلينا التذكر، أنه لم يترك الجماعة نتيجة بروز تلك الخطة فى أثناء "قضية سلسبيل" فى العام 1992، ولا حتى تركها أو اعترض فيها، بينما كانت حركة حماس التابعة للإخوان فى غزة، تعذب فلسطينيين وتفجر المساجد وهم فيها أو تُلقى بهم من فوق أسطح الأبنية، بينما كانوا هم أيضاً مُسلمين، وكانت حماس تُفتت القضية الفلسطينية، لصالح إسرائيل!!
لقد ترك عبدالمنعم أبوالفتوح جماعة الإخوان، لأنه اختلف فيها على حقه فى "المنصب". أى أنه تركها بسبب رؤيته لحق رآه وفقاً "لشهوته فى السلطة"، ليس أكثر!! ولكنه تخلى عنها ظاهرياً فقط، بينما يخدمها حتى الآن، بكل جوارحه، حيث إن الأمر لا يعدو إلا أن يكون نوعا من توزيع الأدوار!!
ويستمر أبوالفتوح فى محاولاته المُستميتة لإنقاذ موقف الإخوان اليوم، وقد قتلوا واعتدوا على الشباب، فيوجه إتهامات مُبطنة للفريق شفيق، بالإشارة دون افصاح بالاسم، لأنه لا يمتلك دليلاً واحداً على الرجل ويُريد فقط أن يُعلق "شماعات" على الآخرين، حيث يريد أن يُشتت أنظار المصريين عن الفاعل الحقيقى فى المقطم، وذاك الرئيس الفاشل فى الاتحادية، والذى يلزم محاكمته بعد تهديده للمصريين، وليس مجرد قتل المتظاهرين فى ظل إدارته المُتدنية للبلاد، بينما إمكانته لا تؤهله لأن يحكم قرية صغيرة، وليس بلد بحجم مصر!!
إحذروا هذا الأبوالفتوح، لأنه أخطر من مرسى والشاطر، بكل ما يُمثلانه، مُجتمعين، ولكن هدفه كهدفهم، وهو تنفيذ "خطة التمكين" الإخوانية على مصر، بغض النظر عن كل كلماته المعسولة التى تتكلم عن الإصطفاف الشامل، رغم استحالته الآن مع هذا الكم من الإسفاف الإخوانى!! إن مصره التى يريد، هى تلك "الطرية" وليس "القوية"، وما كل ما يقوم به من خداع، إلا لصالح إخوانه المُعتدين وأخونة مصر وضربها فى القلب الذى تُمثله مفاصل الدولة!!
والله أكبر والعزة لبلادى،
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية.
الجريدة الرسمية