رئيس التحرير
عصام كامل

الإنسان.. الواقع والألم


إذا كان واقع الإنسان يشير إلى الألم فإن وجوده يثير موضوع غايته، فما الغاية من وجود الإنسان؟ أهي تحمل الألم أم هي سعادة الوجود؟ ألا تشير غاية الإنسان إلى تحقيق السعادة من خلال الألم؟


بداية ينبغي على الإنسان أن يزيل الرغبة والتعلق فمنهما ينشأ الألم حيث يتعلق الإنسان بالأشياء، وبفقدها يتألم، ويرغب الإنسان في الأشياء، ومن عدم تحقيقها ينشأ الألم، إننا نتعلق بأحبتنا ونرغب بالشهرة والمال وننحرف إلى الماديات ونبني آمالنا عليها، لذلك فإن ألم الإنسان ينشأ بل ويستمر من فقدان الأشياء أو عدم تحقيقها.

ولما كان الإنسان لا يدرك مغزى حياته إلا من خلال تعلقاته ورغباته فإن ألمه يكمن فيها إن هو حققها أو لم يحققها فالحصول على أمر والاستزادة منه يعادلان الحرمان منه، ففي حالة الحصول نتعلق، وفي حالة الحرمان نرغب، ويتأرجح الإنسان بين الرغبة والتعلق ويرى وجوده بلا معنى أو قيمة.

فالتعلق يعزز في الإنسان حالة لا تنتهي من القلق والألم، والرغبة تنشئ فيه حالة مماثلة، وعندئذ يربط الإنسان العادي وجوده بتعلقاته ورغباته فيتألم في كلتا الحالتين، إن ألم من هذا النوع ضياع ذلك لأن الوجود لا ينحصر في متع الحياة بل يتعداها ويتجاوزها إلى الجوهر والكيان والروح، وهكذا يزداد ألم من لا يكتفي لأن الأنا تطلب ملذاتها فتتراجع "الحياة" المعبر عنها بالروح.

فبداخل كل إنسان حقيقي طاقة داخلية تتحرك ففي أعماقه آمال وعواطف تهفو إلى التحقق وتأمل بالاستمرار فعواطف الإنسان تتجه إلى تحقيق ذاتها في الآخر الذي يشكل معه وحدة أولية تتحول إلى ثنائية، وذلك لكي تعبر عن علاقة صميمية بهذا الآخر.

لقد أبدع الشعراء والأدباء في التعبير عن مكنونات القلب الإنساني، وصوروا سعادة الإنسان وشقائه في ظل الحب والتعاطف، ولذلك، فإننا نجد أعظم وأجمل ما عبر عنه قلب الإنسان في اللهفة والشوق وفي اللقاء والبعد.

في بث الخواطر فالإنسان يبث ألم قلبه لنفسه من خلال الآخر الذي هو نصفه الثاني إن وجده، وإن فقده ينصت العالم للحن ألمه وحيدا، فالمحب يتألم لبعد حبيبته والحبيبة تتألم لأنها لا تحقق عواطفها، وكل إنسان يجد في الآخرين ملاذا له، وذلك لأنه دائما يبحث عن نفسه في الآخر من خلال كلمة تشجيع أو نظرة إعجاب، فهناك نداء القلب للقلب، والروح للروح، هناك نداء عميق للآخر في الإنسان، والإنسان الحق يتألم من عدم تحقيق هذا النداء الداخلي.

فالألم العظيم يجعل الإنسان عظيما ونستطيع أن نرى في الأدباء والموسيقيين قدرتهم على التعبير عن شعور دفين بالألم ولم تكن عبقريتهم لو لم يتألموا ونتساءل هل إبداعهم كان وليد حب أم عاطفة أو خيبة أمل أم شعور باطني عميق بالمأساة؟

إنهم شعروا بقسوة الألم وتلمسوا مأساة جرح القلب من خلال صراع داخلي بأن الإبداع لا يتم إلا في الألم،
فالإبداع ما هو إلا تعبير عن صدمة الإنسان تجاه الواقع، فالحب الذي لا يتحقق، والفكرة الجميلة التي لا تلقى صدى لها، والمشاعر النبيلة التي تقتل، والعواطف الإنسانية التي تتحجر، والعبقريات التي لا تلقى الاستحسان عبرت عن ذاتها بألم رومانسي نبيل ووجداني.

ويؤسفني القول إن هذا الألم يزداد يوما بعد آخر، ذلك لأن مشاعر الإنسان تميل إلى التحجر وقتل ما هو جميل بداخله، فالحياة ما هى إلا محطات للألم في أعماق الإنسان، ذلك الألم الذي يرفع الإنسان إلى مستوى الشعور بإنسانيته من خلال التعبير عن نبل عواطفه وسموها.
الجريدة الرسمية