رئيس التحرير
عصام كامل

الجنيه المحروق


أصبحت الرؤية الاقتصادية فى مصر تتسم بمزيد من الضبابية فى ظل الخوف من المجهول مع غياب الرؤى الاقتصادية الواضحة التى تعمل على انتشال الاقتصاد المصرى من كبوة الركود التى سقط فيها، وما تشهده الفترة الحالية من الكوارث الاقتصادية هو الانخفاضات القياسية التى يشهدها سعر صرف الجنيه المصرى مقابل الدولار الأمريكى والعملات الرئيسية حيث انخفض سعر صرف الجنيه إلى أدنى مستوياته منذ ثمانية سنوات، فى أول أيام تطبيق آلية جديدة أقرها البنك المركزى بشأن عطاءات بيع أو شراء الدولار، وما سينتج عنه من ارتفاع قياسى جديد متوقع فى السلع الأساسية، وعلى رأسها الغذاء، فى ظل الاختلال الشديد فى الميزان التجارى المصرى، فى الوقت الذى تسعى فيه السلطة إلى زيادة الضرائب على خمسين سلعة رئيسية ضمن شروط صندوق النقد الدولى للموافقة على منح مصر القرض المزمع.

وكان البنك المركزى قد دشن آلية جديدة لتوفير الدولار منذ منذ ما يقرب من شهر مضى عبر طرح عطاءات دورية لشراء أو بيع الدولار الأمريكى.
وعلى الرغم من سلبية هذا الإجراء الذى قام به البنك المركزى والذى قد يتسبب فى مواصلة العملة المحلية فى هبوطها، إلا أن بعض الخبراء يرون أن هذه الآلية خطوة مهمة لإبعاد شبح السوق السوداء وإبعاد قيمة الجنيه عن المضاربات، لكون هذه الآلية تتيح للبنك المركزى أن يصبح الفاعل الرئيسى فى السوق، إلا أن الإجراءات الجديدة تضمنت كذلك فرض رسوم إدارية تتراوح بين 1 إلى 2% على شراء الدولار للأغراض غير التجارية، مما تسبب فى ارتفاع إضافى فى سعر الدولار بعدما حمّلت شركات الصرافة الضريبة للمتعاملين.
بالإضافة إلى الانخفاض الحاد أو السقوط الحر كما يسميه البعض لسعر صرف الجنيه وما سينتج عنه من انخفاض القوة الشرائية والتى سوف تؤدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل قياسى، إلا أن صدمة التراجع القياسى للجنيه لن تؤثر وحدها على الأسعار، فالتعديلات الجديدة على ضريبة المبيعات التى أعلنت رئاسة الدولة تطبيقها بدءا من يناير 2013 قد تكون القشة التى ستقصم ظهر البعير وتشهد الدولة انهيارا ماليا.
وعلى الرغم من الأسباب السابقة إلا أن السبب الرئيسى فى تراجع الجنيه أمام الدولار هو ضعف الموارد الدولارية منذ ثورة يناير 2011, وتراجع الاحتياطى النقدى، بالإضافة إلى غياب الرؤية الاقتصادية التى تنتشل الاقتصاد المصرى من التعثر والركود، كما أن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم تضع خارطة للخروج مما نحن فيه، حيث اتسع عجز الموازنة بشكل مخيف، وتراجع تدفق العملات الصعبة، مما أثار خوف المصريين على مدخراتهم سواء الدولارية أو حتى من الجنيه المصرى. وأضاف تراجع التصنيف الائتمانى لمصر إلى B سالب وهو ما يعنى أن مصر دولة عالية المخاطر وهو ما يؤثر بشكل كبير على جذب الاستثمارات والإقراض والتسليف.
وما يجرى الآن فى سوق العملة فى مصر يشير إلى أن هناك توجها لدى الأفراد نحو ما يسمى بالدولرة (تحويل أرصدتهم من الجنيه إلى الدولار) نتيجة التخوف من انخفاض قيمة ثرواتهم بالعملة المحلية، وهو ما ينذر بكارثة مالية (أزمة عملة).
الجريدة الرسمية