رئيس التحرير
عصام كامل

الانتحار والأمية السياسية


لم أصدق ما سمعته من أحد أعضاء لجنة الدستور وهو يطلق تهديداته عبر قناة فضائية ويعلن انسحابه من اللجنة لأن الأغلبية لم تأخذ بما يراه.. وانطلق المذكور في تهديداته العبيطة ليعلن أنه سيقوم بحشد الفلاحين ليرفضوا الدستور ويذهبوا إلى لجان الاستفتاء ليصوتوا بالرفض.


والمذكور اسمه دبش ــ وهو فلاح من مطروح ــ واسمه بالكامل محمد صبحى دبش ــ وهو عضو لجنة الحوار المجتمعى في لجنة وضع دستور مصر.. وأعتقد أن ذلك من عجائب هذا الزمن الذي لا تنقضى عجائبه.. ومن العجائب أن هناك آخرين ساروا على مساره وانتهجوا نهجه، وتصوروا أنهم يمثلون في لجنة الدستور فئة واحدة دون أن يستوعبوا أنهم يشاركون في وضع دستور لشعب مصر بأجمعه، وأن مصالح المجموع تجب قبل مصلحة أية فئة، وأن ذلك من بديهيات الحضارة في أبسط صورها، فضلا عن أن مبادئ السياسة وقواعد الديمقراطية التي يتشدقون بها تلزم الأقلية باتباع قرارات الأغلبية مع حفظ حق الآخرين في الإعلان عن رأيهم وفى التنافس الشريف على تحقيق الأغلبية لأنفسهم عبر انتخابات حرة نزيهة، وليست على طريقة الحزب الوطنى.

الذين يهددون بدفع جماعاتهم إلى الاحتشاد في لجان الاستفتاء والتصويت برفض الدستور ــ بدعوى أنه لا يوفر لهم تمييزا يحقق لهم أغلبية ــ يعترفون من خلال هذا الموقف بفشلهم وعجزهم عن حشد أتباعهم للتصويت لصالح مرشحيهم من خلال انتخابات حرة نزيهة لا تعترف بحقوق استثنائية فئوية.. وهم بذلك ينتحرون سياسيا، والأرجح أنهم يعانون من الأمية السياسية.

وهذا ما دفعنى ــ ودفع غيرى ــ إلى الاستهانة بتهديداتهم والشك في قدراتهم، فضلا عن الاقتناع بعدم صلاحيتهم للتواجد بين من يكتبون لمصر دستورا جديدا يستحقه شعب ثار على التمييز وكافة أشكال السيطرة.. وأخشى أن يكون هؤلاء قد انتحروا سياسيا بعد أن كشفت تصريحاتهم عن جهل بالغ بالتحديات التي نواجهها جميعا الآن، وليس أمامنا من سبيل لتخطى ما نحن فيه إلا بالمضى في تنفيذ خريطة المستقبل بإقرار الدستور وخوض الانتخابات البرلمانية ثم انتخاب رئيس الجمهورية ليتحقق بذلك الاستقرار السياسي للدولة العصرية مدعوما باستقرار أمنى لن يتأتى قبل الاستقرار السياسي، بل سيتبعه بفترة قد لا تكون قصيرة.

من أجل هذا كله سأتجاوز عن مواد في الدستور لا أرضى عنها، وسأذهب للتصويت بنعم على دستور مصر الجديد، وسأدعو بكل قوة إلى الموافقة عليه، والانطلاق في تنفيذ خريطة المستقبل.
وهذا وحده هو طريق النجاة..
الجريدة الرسمية