رئيس التحرير
عصام كامل

علماء مصر يرفعون شعار «ليس بالعلم وحده يحيا الإنسان».. منصور عبد الوهاب: أوربا "ترانزيت" علمائنا إلى تل أبيب

منصور عبد الوهاب
منصور عبد الوهاب

يستمر الكيان الصهيوني في محاولاته لإثبات أنه قادر على الاستمرار كدولة طبيعية لها تاريخ، وتمثل حاضرا وتصنع مستقبلا بأي طريقة، فتسعى إلى الوصول للأرقى في جميع المجالات، وخصوصًا مجال البحث العلمي، فإسرائيل تتقدم بجامعاتها في التصنيف الدولي، وعلى الرغم من تراجعها هذا العام إلا أنها لا تزال في مراتب المقدمة، ومستمرة في التشجيع على البحث العلمي.


يأتى ذلك في الوقت الذي تعاني مصر فيه من هروب العقول والكفاءات إلى جميع البلدان بحثًا عن "المال" و"التقدير"، حتى باتت هذه الظاهرة تهدد مستقبل مصر وتخدم إسرائيل التي تعمل على صيد أي فريسة سهلة أمامها، حتى تأتي المخاوف بأن يأتي اليوم الذي تهرب فيه العقول المصرية قاصدة "إسرائيل".

صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية تشير إلى أن هذه الظاهرة تتزايد بسبب تشجيع الحكومة المصرية لهجرة أبنائها للحصول على التحويلات المالية، مضيفة أن مصر تعتبر -بحسب تقرير للمنظمة الدولية للهجرة- أكبر متلق للتحويلات في منطقة الشرق الأوسط، فقد بلغت تلك التحويلات 7.8 مليار دولار في عام 2009، مما يمثل نحو 5% من إجمالي الناتج المحلي.

وفى تقرير مطول للصحيفة أكدت ظاهرة هجرة العقول المصرية، أن عدد المصريين في الخارج وصل إلى 6 ملايين ونصف المليون، مشيرة إلى أن نحو 700 ألف مواطن مصري أغلبهم من الشباب، تقدموا بطلبات هجرة، وتحديدًا إلى الولايات المتحدة وأوربا في 2010، ومعظمهم حاصلون على شهادات جامعية في الاختصاصات العملية، من بينهم 7000 يحملون درجة دكتوراة و4000 يحملون الماجستير في تخصصات متنوعة، من بينها هندسة كهرباء وميكانيكا وطيران، إضافة إلى خريجي أقسام كيمياء وفيزياء.


وعلى الرغم من التشجيع الإسرائيلي على البحث العلمي والعودة إلى إسرائيل والعمل على توفير كل الإمكانيات والميزانيات إلا أنها تتعرض أيضًا لظاهرة "هروب العقول"، فأظهرت دراسات بحثية جديدة أن 29 من بين كل 100 محاضر إسرائيلي يحاضرون في الجامعات والمعاهد قد انتقلوا للتدريس في الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعل إسرائيل في المرتبة الأولى في قائمة الدول الغربية التي تعاني هجرة العقول، وفقًا لما جاء في بحث يتبع مركز "تاوب" الإسرائيلي.

الدراسة البحثية تشير إلى أن هذه الظاهرة تعاظمت خلال السنوات الماضية، ففي عامي 2003-2004 هاجر 25 محاضرا من بين 100 محاضر من الكبار والمعروفين ممن يلقون محاضراتهم في قاعات التدريس التابعة للجامعات والمعاهد الإسرائيلية المتخصصة، ورغم أن هذه النسبة تماثل النسبة المسجلة في الدول الغربية، إذ سجل العام الدراسي 2007-2008 هجرة وهروب 29 من بين كل 100 محاضر كبير ممن تبقوا في إسرائيل وتوجهوا للتعليم في الجامعات الأمريكية، في الوقت الذي أخذت فيه هذه الظاهرة بالتراجع في بقية الدول المتطورة.

وأشارت صحيفة "هاآرتس" إلى أن الجامعات الإسرائيلية ستنشئ 30 مركزًا للتميز" تختص بالتعاون الدولي، وسيحصل العلماء الذين يعودن إلى إسرائيل كجزء من مشروع لإنشاء هذه المراكز في الجامعات المحلية على منح أبحاث بقيمة 530 ألف دولار، وستقدم المنح على مدى 5 سنوات، وتصل قيمتها إلى 106آلاف دولار في السنة استنادًا إلى قوانين جديدة وضعتها لجنة التخطيط والموازنة في المجلس الإسرائيلي للتعليم العالي، وتعتبر هذه المنح ضخمة بالنسبة للمؤسسات التعليمية الإسرائيلية، إذ تعطي مؤسسة العلوم الإسرائيلية نحو 53 ألف دولار لكل باحث.

وستفتح المراكز الأربعة الأولى خلال السنة الأكاديمية المقبلة، وسيعمل في كلّ منها بين 15 و30 عالمًا إسرائيليًا عادوا إلى إسرائيل، وتهدف الخطة إلى أن تصبح هذه المؤسسات قادرة على منح الشهادات وجذب الطلاب الأجانب، وقدرت تكلفة المراكز بـ400 مليون دولار، وتساهم الجامعات التي تستضيف هذه المراكز بثلث التكلفة، بينما تغطي الحكومة الثلث، وتساهم الصناديق الخيرية بثلث، وسيتعين على الحكومة تقديم اقتراحاتها النهائية في نهاية العام، ويأتي الفرق بين الظاهرة المصرية والإسرائيلية بأن إسرائيل تعمل على الحد من انتشارها،أما الحكومة المصرية فتعمل على تشجيعها.

وتأتي المخاوف هنا بأنه كما تهرب العمالة المصرية إلى إسرائيل تهرب أيضًا العقول المفكرة، حتى تصبح عقولنا هي التي تبني إسرائيل، فبدلًا من أن نحاربها نقوم بمساعدتها على البناء والتقدم، وفي نفس الوقت ننقص من إمكانياتنا التي إذا توجهنا لها ولو بنسبة قليلة ستعود علينا بالفائدة.

الدكتور منصور عبد الوهاب -الباحث في الشئون الإسرائيلية- يعلق قائلًا: إن إسرائيل والبلاد الأوربية مفتوحة على بعضها، وإسرائيل تصطاد منها كما تشاء من العقول الهاربة من مصر، وموضوع هروب العقول من مصر ليس سهلًا، بل يمثل خطورة على مستقبل مصر، كما أنه يهدد الأمن القومي المصري، وبمجرد الهجرة للخارج فإن الشخص يصبح صيدًا سهلًا لإسرائيل، لأن البلد التي هاجر إليها تصبح محطة يقف فيها "ترانزيت"، ومن ثم إلى إسرائيل.

ويجب على الدولة والمجتمع بذل جهود كبيرة في ثلاثة اتجاهات، الأول: فتح منافذ للبحث العلمي وتشجيع الشباب على البحث، أما الاتجاه الثاني: الانفتاح على الجامعات والمنتديات الأوربية بشكل كامل، سواء كانت تضم إسرائيليين أم لا، وفتح قنوات اتصال مع الخارج، من أجل الحد من انتشار ظاهرة هروب العقول، حتى يسافر الباحث ويعود مرة أخرى، أما الاتجاه الثالث: فالاهتمام بميزانية البحث العلمي في مصر، من أجل التشجيع على العمل داخل البلاد وعدم اللجوء للخارج.
الجريدة الرسمية