الوزير الذي قال: لا
في الوقت الذي تتداول فيه تفاصيل اختراق الإخوان لوزارة الداخلية وتجنيد أكثر من 254 قيادة إضافة إلى 600 أمين شرطة فإننا لا يجب أن نتجاهل أن هناك من قاوموا الأخونة ومن هؤلاء محمد إبراهيم يوسف وزير الداخلية في حكومة الجنزوري الانتقالية، واحد من المصريين الذين أدركوا مبكرًا نوايا جماعة الشيطان الإخوانية، وواحد ممن وقفوا ضد نواياهم الاستعمارية بالمعنى الدقيق للكلمة، فلم يهن، ولم يضعف، ولم يسر في الركب كما سار غيره، وما أكثرهم للأسف الشديد!
تولى إبراهيم مسئولية وزارة الداخلية - ٧ ديسمبر ٢٠١١ إلى ٢٤ يوليو ٢٠١٢ - عقب حالة الانهيار التي اعترتها بعد الهجوم الإخواني المدعوم بقوى من حماس وحزب الله على جميع أقسام الشرطة، فأعاد تنظيم صفوفها، وبث في قواتها روح الأمل، وبدأ فى زيارة جنود الأمن المركزي، والمرور على الأكمنة، وأدار حوارًا مهمًا مع ضباطه، ليعيد إليهم ثقتهم بأنفسهم، ولم يتجاهل هذا التربص الإخواني الذي لم يكن على وئام مع فكرة عودة الأمن إلى الشارع المصرى، فاصطدم كثيرا بقادة الجماعة، حتى وصل صدامه إلى ذروته مع المعزول.
وعندما قام أعضاء مجلس الشعب من المحظورة بالقبض على النقيب أحمد صلاح لطفي داخل البرلمان، وسحلوه بحجة أنه يتجسس عليهم، أصر الوزير على زيارة المجلس، وأعلن أنه لن يغادره إلا بصحبة ابنه الضابط ساخرًا منهم «كيف يتجسس عليكم وجلستكم على الهواء مباشرة؟» وبالفعل اصطحب الضابط المسحول، ووصل به إلى مستشفى الشرطة، وازداد عزمه على مواجهة الأمر مهما كانت تبعاته.
حاول قادة الجماعة زيارة الوزير في مكتبه إلا أنه رفض استقبالهم، بل أمر بعدم دخول أى إخواني إلى الوزارة، وهنا بدأت الجماعة في صنع الأزمات أمام حكومة الجنزوري، وعندما بدأت انتخابات الرئاسة أمر بوضع حراسة مرافقة لمحمد مرسي، باعتباره مرشحًا، وقد يكون مستهدفًا، إلا أن مرسي رفض ذلك، وادعى أن الحراسة إنما بغرض مراقبته، ولم يبال الوزير، وقرر رقابته بالفعل بطاقم سري، حتى نجح مرسي واعتلى أكبر كرسي في البلاد.
أمر الوزير بإعداد تقرير للتحريات عن مخالفات الانتخابات الرئاسية، والتي أثبت فيها وقائع مذهلة كان أهمها واقعة المطابع الأميرية.. أمر إبراهيم بتتبع الواقعة، حتى وصل إلى حقيقة تورط عصام العريان، وخيرت الشاطر، فقدم تحرياته إلى النيابة العامة، طالبًا صدور أمر بالقبض عليهما، غير أن الواقع السياسي، ومخاوف المشير طنطاوي في ذلك الوقت، حالت دون الاستجابة لطلب التحريات.
ولم ييأس الوزير، وأصر على تقديم تقريره إلى رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري، الذي أرسله بدوره إلى اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية، فكان مصيره أدراجًا أريد لها أن تغلق إلى الأبد.
وصل مرسي إلى قصر الرئاسة، وطلب حضور وزير الداخلية مصطحبًا معه حركة تنقلات الشرطة.. ذهب الوزير إلى المعزول، فلاحظ أن مرسي يضع على منضدة صغيرة مجاورة له ورقة مدونًا عليها بعض أسماء قادة الداخلية، وبدأ ينظر إليها خلسة ليوجه بعدها تساؤله إلى الوزير.
أعلن المعزول رغبته في إحالة اللواء محسن مراد إلى التقاعد، فكان رد الوزير إن مراد من أكفأ رجالات الشرطة، وليس من المنطقي إحالته إلى التقاعد، فرغم أنه يعيش بحزام ناري حول وسطه، إلا أنه يعمل ليل نهار، فقاطعه مرسي طالبًا إحالة اللواء خالد غراب مدير أمن الإسكندرية في ذلك الوقت إلى التقاعد، فرد عليه الوزير: خالد قاوم ببطولة نادرة عملية اقتحام مديرية أمن الإسكندرية فهل تكون مكافأته بإحالته إلى التقاعد؟!
نظر المعزول إلى الورقة وطلب من الوزير إحالة كل من اللواءات أمين عز الدين مدير شرطة الكهرباء في ذلك الوقت، واللواء كمال الدالي مدير المباحث الجنائية بالجيزة، واللواء سيد شفيق مدير مباحث الوزارة، وعصام حجاج مدير الأمن الوطني إلى التقاعد، إلا أن الوزير محمد إبراهيم رفض ذلك بشدة، مؤكدًا أن كل واحد منهم كفاءة وقدرة لا يستهان بها، ولا يمكن الاستغناء عنهم دون مبررات حقيقية.
انفعل مرسي على الوزير وقال له: "كل ما أسألك على قيادة تقولي ده شغال دول رجالة حبيب العادلي!".
رد الوزير: هؤلاء رجال وزارة الداخلية، وليسوا رجال حبيب العادلي.. ثم إنني شخصيًا عملت مع حبيب العادلي، ومعظم قيادات الوزارة عملت معه، ولا أرى مبررًا لإحالة هؤلاء للتقاعد، وإذا أردت أن تفعل ذلك فليس أمامك إلا إصدار قرار جمهوري بإحالتهم للتقاعد، أما أنا فلن أصدر قرارًا بذلك مهما كلفني الأمر!!
رد مرسي بصوت جهورى: يا سيادة الوزير أنت تسعى للصدام مع مؤسسة الرئاسة!
قاطعه الوزير: نحن لا نصطدم أبدًا مع مؤسسة الرئاسة.. إننا نصطدم فقط مع أي جماعة تخرق القانون، أو تحاول خرقه.
رد مرسي: مش كفاية كنت بتراقبنا وبتراقب تليفوناتنا.
قال محمد إبراهيم: وظيفتي تحتم علي مراقبة كل خارج على القانون فقط يا سيادة الرئيس.. وسوف أقوم بعملي دائما مهما كانت الظروف.
شعر مرسي أن كل الطرق إلى الحوار مع الوزير مسدودة، فطلب منه حركة الشرطة لمراجعتها، فلم يعد الوزير بذلك، وقال كلامًا يحمل أكثر من معنى.. أيام قليلة مضت وجاء موعد تخريج دفعة كلية الشرطة وحضر المعزول حفل التخرج، وكانت المفاجأة عندما عرفه الوزير بقادة المجلس الأعلى للشرطة، ووصل إلى اللواء أحمد جمال فقاطعه المعزول قائلًا: أنا أعرف اللواء أحمد جمال عندما كان يشرف على تنفيذ الأحكام، وأرسل رجاله للقبض علي في قضية تموين، مع أن شقيقي هو الذي يمتلك الفرن المحررة ضده المخالفة.
توجه اللواء محمد إبراهيم إلى الدكتور كمال الجنزوري، وشرح له مخاوفه من نوايا الإخوان، باستغلال فكرة إعادة الهيكلة في الانتقام من قادة الوزارة، وتفريغها من مضمونها، وأفصح له عن نيته إعلان حركة الشرطة دون مراجعتها مع المعزول، فنصحه الجنزوري بأن يتصل بالمشير طنطاوي، ويشرح له أبعاد المؤامرة ففعل ذلك، وفي اليوم التالي استدعى وسائل الإعلام لإعلان حركة الشرطة.
وبينما كان مكتب الوزير مشغولًا في الإعداد للمؤتمر الصحفى، فوجئ الوزير بمدير مكتبه يخبره بأن الرئيس على التليفون فرد عليه: بلغه أني مش فاضي، وأني في طريقي للمؤتمر الصحفي، لإعلان الحركة .. بالفعل أعلن الوزير حركة تنقلات الشرطة دون مراجعتها مع مرسي، وفي اليوم التالي صدر قرار بإقالته من منصبه !!