رئيس التحرير
عصام كامل

تظاهر بعيدًا


وسط حالة الاستقطاب الحادة التي نعيشها، لم يحظ أمر بشبه إجماع على رفضه بمقدار ما يواجهه قانون تنظيم الحق في التظاهر، الذي طالته – ولا تزال- سهام النقد والتحفظ وحتى التجريح، بعد أن حفلت مواد القانون بترسانة من المحرمات تحت لافتة "الحق" في تنظيم الاجتماعات والمواكب والتظاهرات السلمية!!.


القانون الذي جاء في ثلاثة فصول، اشتمل على 25 مادة، فتح بابا واسعا أمام الجدل والبلبلة في آن واحد، إذ تلقفه حسنو النية وسيئها على حد سواء بالهجوم، بالبحث عن النقائص التي سمحت بها العبارات الفضفاضة، وغير المنضبطة، والتي تجرد أصحاب الحق الأصيل في الاجتماع والتظاهر السلمي من هذا الحق .

تمر مصر الآن بحالة من الانفلات على صعد عدة، ونعاني جميعا من تظاهرات يومية تزيد من معاناة الناس فوق مكابدتهم لتدبر شئون حياتهم، وهناك اختلاط بين مفهومي الاحتجاج والفوضى في بعض المواقف، لكن الأمر لا يجعلنا نقفز على حقوق أساسية خرج الناس بالملايين من أجل انتزاعها بعد سنوات طوال من الظلم والقهر.

نحن في مرحلة انتقالية تمر بها الشعوب عادة بعد الثورات الكبرى، وهناك مخاوف لدى العديد من فئات المجتمع أن تمر اللحظة المعاشة من دون أن تحصل على نصيبها من كعكة الوطن، وبالتالي يسارع البعض إلى الضغط بالوسائل كافة لترسيخ وجوده، وتأكيد حضوره في قلب المشهد، ومن هنا تظهر على السطح الصورة التي نراها أمامنا، وهي مزعجة بلا شك في بعض جوانبها.

مشكلة قانون تنظيم الحق في التظاهر ليس العيب في بعض مواده التي أعطت الداخلية اليد الطولى بالموافقة أو تغيير مسارات وأماكن المسيرات والتظاهرات، وحتى إلغاءها، ولكن في المناخ الذي ظهر فيه، فقد جاء في وقت تزداد معه حالة عدم اليقين بالمستقبل بعد نحو ثلاث سنوات من التخبط، ومن تحميل مسئولية إدارة دفة سفينة الوطن لحكومات متوالية اختارت الفشل طريقا، وبالتالي لم يلمس الناس حتى اليوم شعورا بالثقة في الغد.

تعاني وزارة الداخلية من شرخ في العلاقة مع المواطنين، وهناك ميراث من العداء والكراهية تسعى الوزارة حاليا إلى تبديده، ثم يأتي القانون ليعطيها الحق في نفي المتظاهرين خارج حدود المدن، ونقل احتجاجاتهم إلى الفيافي والمناطق النائية، فهل ننتظر منهم الموافقة والبصم على هذا القانون بنعم ؟!

علاوة على ذلك، أغفل القانون الحق في الاعتصام وسمح للداخلية باستخدام القوة المتدرجة في فض المواكب والتظاهرات، من دون أن يقل لنا ما هي الطريقة التي ستستخدمها الشرطة في تحديد عملية التدرج في إنهاء الاحتجاجات إذا حادت عن السلمية، والتي يمكن أن تتم في دقائق أو ساعات، وتركها لتقدير القائد الميداني للقوات، وبالقطع وكما تعودنا فالرجل "ها يجيب من الآخر" باللجوء إلى الوسيلة التي ستكون ناجعة أكثر في تفريق الناس.

وبين التحذير الشفهي المتكرر، واللجوء إلى خراطيم المياه، والغازات المسيلة للدموع، والهراوات، وانتهاءً باستخدام الأسلحة النارية، ستكون الكلمة الفصل للداخلية ورجالها في التعامل مع الموقف بما يفتح بابا للقمع الشرعي لمن خرجوا للتعبير عن الرأي وإعلان المظالم.

يقول البعض إن قانون التظاهر معمول به في الدول المتقدمة، وهذا صحيح، غير أن تلك الدول وفرت لمواطنيها من سبل العيش الكريم ما يمثل العنقاء - وليس الحلم - في مجتمعاتنا التي ورثت الفقر والجهل والمرض.
واختم بمقولة لمصري فصيح: "أعطونا حياة البلدان المتقدمة، نمنحكم تعهدا بعدم التظاهر !!.
الجريدة الرسمية