رئيس التحرير
عصام كامل

الإرهاب والغلاء يهددان نمط عيش التونسيين

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

لم يخطر ببال التونسيين أن يصل الإرهاب إلى قلب المنتجعات السياحية، حين فجر انتحاري نفسه في مدينة سوسة. وسرعان ما دب الخوف لدى الرأي العام وبدأ التساؤل ما إذا كان هذا الحادث سيفتح الباب أمام منغصات جديدة على التونسيين.

بعد حادثة سوسة بيوم عاد عدد من مواطني مدينة سوسة وممثلين عن المنظمات الشبابية ومن المجتمع المدني إلى نفس مكان الانفجار وبدءوا بالعزف والغناء والاحتفال. كانت تلك طريقة لبعث رسالة بأن الإرهاب لن ينجح في إثناء التونسيين عن الاستمرار في الحياة بالطريقة التي اعتادوها دون خوف أو رعب، لكن لا يبدو أن هناك اتفاقا عاما حول تلك الرسالة.

خوف وانقسام في الشارع

في حديقة البلدفيدير أكبر متنفس بالعاصمة لا تزال العائلات التونسية تقبل على مساحات الهواء الطلق مصطحبة صغارها لمشاهدة الحيوانات واللعب في الملاهي والمساحات الخضراء.


ورغم أن المتنزهات عرفت تهميشا في السنوات الأخيرة الا أن إدارة الحديقة بالتعاون مع جمعية "احباء البلفدير" سمحت بتنظيم معارض بيئية ونباتية في الهواء الطلق داخل الفضاء بهدف استقطاب العائلات.


ويقول أحد الفاعلين في معرض النباتات داخل الحديقة في حديثه مع DW عربية: "الناس ما زالت تقبل على الحديقة إذا ما كان الطقس جميلا خاصة في عطلة نهاية الأسبوع. ليس هناك أجمل من الطبيعة لكن المداخل حتى الآن داخل المعرض محدودة، شراء النباتات لا يمثل أولوية للعائلات التونسية في هذا الظرف الصعب انهم يأتون للترويح عن أنفسهم فقط".


وفي شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بقلب العاصمة تحدثت إلينا ليلى خلف الله (39 عاما) وهي موظفة بالقطاع الخاص إلى DW عربية قائلة "لا يمكن إنكار أن هناك مشاعر خوف تنتاب الكثير من العائلات التونسية وأغلبها تحرص على العودة مبكرا إلى البيوت. بالنسبة لعائلتي فإن أي مخطط للترويح عن النفس في النزل التونسية بات الآن مؤجلا إلى أجل غير مسمى بعد حادثة سوسة".


وتشاطر أميرة الشارني (20 سنة) وهي طالبة بمعهد التبنيج ما ذهبت اليه صديقتها ليلى خلف الله لكنها تضيف أيضا أن الأحداث الإرهابية تركت أثرا واضحا في العلاقات الطلابية داخل الجامعة.


وتضيف أميرة إلى DW عربية قائلة "التواصل أصبح صعبا بين جميع الفئات الطلابية بسبب الخلافات الفكرية والثقافية وحتى في طريقة الملبس. هناك بعض الطالبات أصبح اختلاطهن نادرا مع البقية لمجرد ارتدائهن للنقاب".

والارتباك الذي بدأ يدب على نمط حياة التونسيين لا يقتصر على الحذر في الفضاءات العامة والمنتجعات السياحية بل امتد أيضا إلى الحديث عن بداية زحف المجتمع المحافظ والتقليدي في مواجهة مجتمع الحداثة والرفاهية.


ويتحدث محمد الهمامي (25 سنة) وهو طالب في شعبة الرياضيات والفيزياء بالجامعة التونسية إلى DW عربية قائلا: "الرأي السائد لدى الرأي العام أن النمط المجتمعي للتونسيين القائم على الانفتاح والتحرر والإقبال على الحياة أصبح على المحك بعد الثورة بسبب صعود السلفيين وتهديدهم لتلك المكاسب. لكن في الواقع ان هذا النمط بدأ يشهد تغيرا راديكاليا منذ النظام السابق الذي ضيق على الحريات الدينية وضرب الأوساط المحافظة في مناطق مختلفة بالبلاد. اليوم نلاحظ تغيرا واضحا في طريقة عيش التونسيين مقارنة بفترة التسعينات مثلا. لكن في إطار الدولة الديمقراطية التي نحن بصدد بنائها اليوم بعد الثورة يجب احترام كل الأنماط المختلفة في العيش".

الغلاء وانهيار القدرة الشرائية

ويعتقد الهمامي أن طريقة عيش التونسيين لم تتأثر بشكل كبير بالوضع الأمني أو بالإرهاب بدليل أن التونسيين ظلوا محافظين على أسلوب حياتهم اليومية حتى في ذروة الانفلات الأمني في أعقاب الثورة، لكنه يعتبر في المقابل أن السبب الأبرز في تحول نمط عيش التونسي هو تهاوي القدرة الشرائية التي بدأت بالتراجع منذ السنوات الأخيرة للنظام السابق وتفاقمت بعد الثورة بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة.

بدورها تؤكد ليلى خلف الله أن المخاطر الأمنية ليست وحدها المتسببة في اضطراب عيش التونسيين إذ يمثل الغلاء الحاد في الأسعار حسب رأيها سببا مباشرا لذلك. وتشير قائلة: "إذا استمر النسق الحالي في ارتفاع الأسعار فإن الطبقة الوسطى في تونس ستسحق".

وعلى مدى سنوات عديدة تباهت تونس بطبقتها المتوسطة الواسعة والتي ظلت تضم أكثر من 80 بالمئة من السكان حتى عام 2011. لكن في اعقاب الثورة تقلصت شيئا فشيئا حيث يرجح خبراء في تونس وصولها إلى ما دون الخمسين بالمئة هذا العام بينما تقلصت قدرتها الشرائية بنسبة 25 بالمئة. وفي المقابل تفيد أرقام حديثة بأن نسبة الفقر في البلاد تعدت عتبة 20 بالمئة في ظل نسبة بطالة تصل إلى نحو 16 بالمئة ونسبة تضخم تبلغ 5.8 بالمئة.

ويمكن أن يتدهور نمط عيش التونسيين والطبقة الوسطى بشكل خاص مع اقرار الحكومة التونسية لموازنة العام 2014 والتي وصفها الاتحاد التونسي للشغل، أكبر نقابة في البلاد، بـ"المجزرة الشعبية" لتضمنها العديد من الاحكام والقرارات المضرة بدخول المواطنين.

حالة احباط عامة

وتقر الباحثة الاجتماعية فتحية السعيدي في حديثها مع DW عربية بأن التونسيين يعيشون اليوم حالة احباط جماعية بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد بينما يشعر الكثيرون بتغير مستمر في حياتهم اليومية نتيجة تغير الأنماط المعيشية والتشريعات والقوانين والأوضاع الاقتصادية.


وترى الباحثة أن هناك نموذجا مجتمعيا كامنا في تونس تعايش مع النموذج الحداثي لكنه طفا على السطح بعد (ثورة 14 يناير) مع صعود الحركات الإسلامية التي بحثت عن ترسيخ نموذج تقليدي ديني لكنه "مستورد" وبدأت بالترويج له عبر الحملات الانتخابية مستفيدة من الجدل الدائر حول الهوية.

وتضيف الباحثة أن "الترويج لهذا النموذج المجتمعي الذي يختلف في جوهره عن المجتمع التقليدي التونسي، أنتج ظواهر اقتصادية جديدة عبر الاقتصاد الشكلي والتجارة الموازية التي عادة ما تميز أنشطة الاسلاميين. ومثل هذا النمط الاقتصادي من شأنه أن يضرب ليس فقط الاقتصاد المنظم وإنما أيضا أبرز قطاعين حيويين وهما قطاع الخدمات والسياحة".

وتعتبر فتحية السعيدي أن الرغبة في التغيير وضرب جوهر الحياة الحديثة للتونسيين تبرز من خلال إصدار قانون الأوقاف الذي ودعته تونس منذ الاستقلال في خمسينات القرن الماضي مما يهدد فعليا بتقويض المؤسسات الحديثة للدولة وقد يغير من نمط حياة التونسيين بسبب تركيز نظام ملكية جديد مقيد.

لكن الباحثة تؤكد في ختام حديثها أن المواطن التونسي شخصية متأصلة في "تونسيته" ومتشبعة بمختلف الحضارات التي تعاقبت عليه وليس من السهل أن يتنازل عن نمط عيشه المتعارف عليه حتى مع محاولات إعادة النموذج التقليدي الدخيل على المجتمع التونسي.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية