رئيس التحرير
عصام كامل

وثيقة العار الإخوانية: العلمانيون «ملحدون»..الليبراليون «أهل انحلال»..وضع «ناصريين» ونصارى على قوائمنا الانتخابية لصد هجمات التيار الجاهلي.. نزع السلطة من «الكافرين&


تحت يدي وثيقة عمرها من عمر أحداث محمد محمود.. أعترف أنني حصلت عليها في حينها، وأعترف أنني خضعت لرأي الإدارة التي أرتأت في حينه، أن نشر الوثيقة قد يعكر الصفو العام، ويخلق حالة من التشكيك رأت الإدارة أنها لن تكون في الصالح العام.. رضخت لرأي الأغلبية في اجتماع ساخن.. أنا كصحفي كنت من المؤمنين بضرورة نشر الوثيقة.. الإدارة من جانبها كانت ترى عدم فضح أمر الإخوان لعل الأيام التالية تثبت إخلاصهم للثورة والثوار، أو على الأقل تبين ندمهم على فعلتهم الشنعاء.


يعلم القاصي والدانى أن جماعة الإخوان كانت على علم بما تحمله الأيام لثوار التحرير، وبالتحديد في محمد محمود.. صدر قرار الجماعة بانسحاب شباب الجماعة من خلف ظهر الثوار، وتم تركهم فريسة ليوم عصيب.. انسحب شباب الجماعة وبعدما دارت الأحداث دورتها أصيبوا بصدمة عنيفة جراء ما حدث وجراء غدرهم بالثوار.. فدار لغط شديد وجدل أشد بين شباب الجماعة، ووصلت أصداء هذا الصدع إلى قادة جماعتهم، فاستشعروا خطر الانقسام بين أوساط شبابهم.. كان لابد من رأى شرعي يمنح خيانتهم للثوار مبررا يحافظ على الجماعة، فكانت هذه الوثيقة التي تعري الجماعة من المبادئ والقيم الإنسانية قبل الدينية فماذا قالت الوثيقة؟
كلف المرشد فريقا من الجماعة بإعداد دراسة فقهية تبرر انسحاب الجماعة من محمد محمود، فأوكل الأمر إلى أهله حيث عكف ثلاثة من كبارهم على إعداد الدراسة تحت عنوان "إنا فتحنا لك فتحا مبينا.. عاطفة ومصارحة وتأصيل شرعي".

وقد جاء نص الوثيقة مذهلا، مدهشا، ومزعجا في معظمه، حيث ابتنى تصوراته على كفر العلمانيين، والليبراليين، واليساريين، وكل من هو ليس عضوا بجماعة الإخوان، وبالتالي فإن الانسحاب من خلف ظهر الثوار إنما هو انسحاب من خلف ظهر كفار لا يستحقون الدعم.. حقائق صادمة تناولتها الدراسة الفقهية ننشرها نصا في السطور القادمة حيث تقول الدراسة:

أحببنا أن نستهل خطابنا إلى إخواننا بعاطفة، عاطفة تنتقل من قلوب إخوانكم لكم لتعلموا أنكم أحب إليهم من أنفسهم جمعتنا الأخوة والمحبة في الله، ووضعنا غايتنا في قلوبنا لتنير طريقنا فأصبح طريقنا واضحا كالشمس في رابعة النهار، وبنا أو بغيرنا أيها الأحباب ستعود دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، كما جاء في حديث الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاما، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم خلافة على منهاج النبوة.

اللعب بالعواطف

وقد شاء الله سبحانه وتعالي أن يكون الشهيد حسن البنا فكانت الدعوة، وكان «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» (23) سورة الأحزاب ثم شاء الله سبحانه أن يكون الشهيد سيد قطب، فكانت الفكرة، وما بين الدعوة والفكرة الحركة والمنهج، عاش إخوانكم وعشتم يقدمون وتقدمون الأموال والحريات والأرواح في سبيل الله، لا تبتغون إلا رضوانه، وبمثل ما تفعلون في سبيل الله تنتصر الدعوات، وبطريقكم الذي تسيرون فيه تقوم دولة الإسلام، وبخطواتكم المنظمة المنتظمة التي تسيرون بها تعود دولة الخلافة، وبمنهجكم الذي أنتم عليه يهب الله لكم أستاذية العالم، وإذا كانت الثقة بالقيادة هي أهم أركان البيعة، إلا أننا ومن منطلق المكاشفة نفتح الأبواب أمام الجميع يلج منها من يشاء، نبدد بالأبواب المفتوحة الظنون، والتخمينات، والهواجس التي قد تنتاب البعض من إخواننا وهذا حقهم علينا، وواجبنا نحوهم، وأن الظن لا يغني من الحق شيئا.

تبرير بلا معنى

أرسل كثير من الإخوان لنا يسألون عن موقفنا من الأحداث التي حدثت في ميدان التحرير وشارع محمد محمود، وقد ظن البعض أننا تخلينا عن الجهاد في سبيل الله، ونصرة المظلوم، وتركنا الضحايا يقعون قتلى دون أن ننتصر لهم، ورغم أننا أصدرنا بيانا أرسلناه إلى كل الإخوان، ونشرناه في موقع «إخوان أون لاين» قلنا فيه: ينطلق الإخوان المسلمون في اتخاذ قراراتهم ومواقفهم من نظرة متوازنة بين العقل والعاطفة تضبطها القواعد الشرعية، وتنتصر للمبادئ، بعيدا عن المصالح الخاصة، وهذا هو الذي حكم موقفنا الأخير من عدم المشاركة في الأحداث الأخيرة، فكان تقديرنا للموقف أن هناك خطة لإحداث فوضى يترتب عليها التهرب من الاستحقاقات الديمقراطية، وتعطيل نقل السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة، ومن ثم قررنا الإصرار على استكمال المسيرة الديمقراطية التي هي أهم أهداف ثورة ٢٥ يناير، وألا نستدرج لهذا المخطط، وللأسف فقد فهم البعض هذا الموقف على غير وجهه الصحيح، وأساءوا إلى الإخوان ونحن نضرب صفحا عن الإساءات ونوضح الحقائق التالية:

إن الشباب الذي استفزته المناظر الوحشية لاعتداء الشرطة والشرطة العسكرية على المعتصمين فهرع إلى الميدان لمناصرة المتظاهرين إنما هم شباب وطني مخلص نبيل.. إن العدوان عليهم إنما هو إجرام في إجرام.. إننا لو كنا قد اشتركنا في هذه المظاهرات لتصاعد العنف والقتل والتخريب، وترتبت على ذلك نتائج سيئة قد تصل إلى الانقلاب على كل أهداف ثورة ٢٥ يناير.

ولو كنا نحرص على مصالحنا الخاصة، وحصد الشعبية في الشارع السياسي، لكان النزول إلى الميدان هو السبيل إلى ذلك، ولكننا امتنعنا عن النزول على الرغم مما وُجه إلينا من انتقادات من الخصوم المتربصين، ومن المخلصين الذين ليس لديهم من المعلومات ما لدينا.

لهفة السلطة

إن حرصنا على إجراء الانتخابات في مواعيدها ليس حرصا منا على كسب المقاعد - فذلك كله في علم الغيب- لكن من أجل البدء في الخطوات الديمقراطية لإنشاء مؤسسات الدولة «برلمان - دستور- حكومة- رئىس جمهورية» أي نقل السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة في أقرب وقت ممكن.

موقفنا الذي أصدرنا البيان بشأنه كان شرعيا مبني على مستند من الشرع، وعلى أساس من اجتهادات إخوانكم التي لم تخرج عن تحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، ولقد جاءت الشريعة الإسلامية بكل أحكامها وأوامرها ونواهيها لتحقيق المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها.

قال الإمام الشاطبي في الموافقات: المعلوم من الشريعة أنها شرعت لمصالح العباد، فالتكليف كله إما لدرء مفسدة، وإما لجلب مصلحة أو لهما معا، والمصلحة ضد المفسدة، والمراد بالمصلحة - كما قال أهل الأصول: هي المنفعة أو وسيلتها التي قصدها الشارع الحكيم لعبادة من حفظ دينهم ونفسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم، ومما أجمع عليه العلماء أن أعظم المقاصد وأجل المطالب حفظ الدين، والحكم بما انزل الله «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه» الآية ١٣ من سورة الشورى والحكم بما انزل الله يعني تجريد العبودية لله تعالى لا شريك له «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» الآية ٥٦ من سورة الذاريات، ولذلك فإن حياة المسلم كلها ينبغي أن تكون لله وحده عبادة وشريعة "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" الآية (162) سورة الأنعام.

ويشير إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: «معرفة من رب العالمين غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية» ومقصد حفظ الدين يقوم على أصلين كما يقرر ذلك الإمام الشاطبي في الموافقات: الأول: حفظ الدين من جانب الوجود، وذلك بالمحافظة على ما يقيم أركانه ويثبت قواعده. الثاني: حفظ الدين من جانب العدم، وذلك برفع الفساد الواقع أو دفع الفساد المتوقع.

خلط مفضوح

كما أن هناك أمورا في الشريعة واجب فعلها على كل مكلف، وهو ما يعرف عند الأصوليين بـ "الواجب العيني"، وهناك أمور في الشريعة يكون فعلها واجبا على الجميع، ويسقط بفعل البعض لها، وهو ما يعرف عند أهل الأصول بـ "الواجب الكفائي"، ثم الناس في القيام بالشريعة على مراتب الدين: مسلمون، ومؤمنون، ومحسنون، وكل مسلم يجب عليه أن يقيم الدين ولا يفرط فيه.

وليست إقامة الدين قاصرة على إقامته من حيث النسك والعبادة، فنصوص الشريعة الواضحة القاطعة ناطقة بأنه دين شامل، فالإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا، فهو دولة ووطن، أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة، أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء، ولهذا فالأمة لا تقبل مطلقا فكرة الفصل بين الدين وبين سائر شئون الحياة، وترى ذلك أخذا لبعض الكتاب وتركا لبعضها، وقد كثر التحذير من ذلك في القرآن والسنة الصحيحة.

وقد فرقت الشريعة بين الأحكام القطعية التي لا تحتمل تأويلا ولا تغييرا، وغالب ذلك في العقائد والعبادات والأخلاق وأحكام الأسرة والعلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية والحدود الشرعية، وبين الأحكام المرتبطة بعلل أو بمصالح العباد، فتدور مع العلل والمصالح، وغالب هذا النوع في المعاملات الاقتصادية والأحكام السياسية والعلاقات الدولية، وفي هذا الإطار كانت هناك ضوابط عامة وقواعد كلية ومرونة كبيرة في التعامل مع التفاصيل الجزئية بما يحقق مصالح العباد.

وعلى هذا فالدين عبارة عن عدة معان عالية، فهو الطاعة، والعبادة، والخضوع، والانقياد، وإقامة الدين بهذا المعنى مقصد أساسي من مقاصد الحكم في الإسلام، فالحاكم مكلف ومسئول عن إيقاف الناس على جادة طريق الدين، وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إنما بعثت عمالي إليكم ليعلموكم كتاب الله وسنة نبيكم ويقسموا بينكم فيئكم» فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان من أفضل أهل زمانه.

الدين حكم

والأمر الذي اتفق عليه علماء الأمة هو أنه لا يمكن في واقعنا السياسي، والمجتمعي الدولي، والمحلي، أن يتحقق هدف إقامة الدين بصورته المتكاملة التي أرادها الله سبحانه، دون حكومة إسلامية راشدة تعمل من أجل الوصول إليه، وتشق جبال الصبر في سبيل المحافظة عليه.

وقد يقع خلاف حول الحكم، وهل هو من الإسلام أم لا، خاصة وقد خرجت أخيرا فتوى من دار الإفتاء عن أن الإسلام لم يرد به نظام حكم!! وهو نفس الأمر الذي سبق وأن قال به على عبد الرازق في كتابه «الإسلام وأصول الحكم» والذي خرج بسببه من زمرة العلماء، ولكن الذي لا شك فيه هو أن الدين حكم، والحكم من الدين، فإذا لم يقم حكام المسلمين دين الله وجب ذلك على الجماعة المسلمة، فهم خلفاء الرسول في ذلك، إذ الدين والحكم صنوان، وقد سمي الله تعالى في كتابه الحكم دينًا، فقال عن سيدنا يوسف عليه السلام «مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ» الآية٧٦ من سورة يوسف، أي لم يكن له الحق في أخذه وفقا لحكم ملك مصر وقانونه، ونحن مطالبون بشكل عام بأن ننصر دين الله، ونقيمه ولسنا على شيء ما لم نقمه.

والله تعالي يقول لأهل الكتاب «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ » الآية ٦٨ من سورة المائدة، ولذلك فإن ادعاء الإسلام والإيمان دون نصر الدين بالعمل لإقامته لهو من الدعاوى العريضة التي يسأل عنها المرء ويحاسب، فنصرة دين الإسلام والعمل لإقامته أمانة وميثاق، فإذا تخلف الحكام عن إقامة الدين، فإن إقامة الدين في هذه الحالة تصبح واجب الجماعة الإسلامية كلها، وهو مسئوليتها التي لا ينبغي أن تختلف عليها أو تتفرق في شأنها، فكل من يؤمن بالله ورسوله ويدين دين الحق لا يظن أن عمله لإقامة الدين هو مجرد بذل جهد، ولا أن ينفصل عن واقعة ليعيش لنفسه، يبذل المستطاع لإفراغ حياة في قالب الزهد والتنسك، والصلاة، والقيام، والصوم، ولا يعنيه ما عدا ذلك، وكما قال الشاعر:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا.. لوجدت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه.. فنحورنا بدمائنا تتخضب

نزع السلطة

عبادة الباكين لا تبرئ ذمتهم أمام الله، بل يلزمهم السعي في انتزاع زمام الأمر من أيدي الكافرين والفجرة الظالمين، حتى يتسلمه رجال ذوو صلاح يقيمون الدين، فيقوم في الأرض ذلك النظام الحق الذي شرعه الله لنا، والذي به صلاح أمور الدنيا وقوام شئونها، اما أن يُطمئن المسلمون أنفسهم بان الدين باق، وأن الله تكلفل بحفظه ملقين بذلك عن عواتقهم تبعة العمل لإقامة حكمه فهذه هي المغالطة، وهذا هو السير وراء السراب، وهم بذلك يصبحون من أتباع الإسلام المنقوص، الذي هو إسلام العامة في مصر، والإسلام المنقوص ليس هو الدين الذي نتعبد به لله، فما يجدي بقاء الدين محفوظا في الكتب نسمعه على المنابر من الخطباء إذا كان منتهكا ومهملا في الواقع، وإذا كنا قد اتخذنا القرآن وراءنا ظهريا.

لقد جاء الإسلام من عند الله لينفذ في دنيا الواقع، وليتبعه الناس في نشاطهم الحيوي كله، بحيث لا يبقى مجرد شعور وجداني قابع في ضمائرهم، ولا مجرد تهذيب روحي في سلوكهم، ولا مجرد شعائر تعبدية في مساجدهم، ولا مجرد أحوال شخصية في جانب واحد من جوانب حياتهم، ولكن مع هذا كله أن يقوم حكم الله في الأرض «إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ» الآية ٤٠ من سورة يوسف.

وحكم الله في الأرض لا يقوم وحده، ولن يطبق من حاله دون جهد المسلمين، الذين قبلوا أن يتحاكموا لغير الله «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» الآية٦٠ من سورة النساء هؤلاء من أصحاب الإسلام المنقوص إسلام الجاهلية لا إسلام التوحيد والتسليم لله سبحانه، وهو إسلام لا نعرفه ولا يعرفه أهل العلم، وهو إسلام ليس فيه توحيد الألوهية، إسلام منزوع التوحيد لا يكابر في هذا أحد، فالتوحيد الخالص لله في مصر بل في العالم الإسلامي كله أصبح فيه دخن، ولم يسلم من هذا الدخن إلا من رحم ربي ممن يعملون معكم لإقامة حكم الله في الأرض.

أنتم أيها الإخوة من هؤلاء نحسبكم من أصحاب الإسلام الخالص التقي الذي لم تخالطه شائبة، ويكفي أنكم تسيرون على خطى الشهيدين حسن البنا وسيد قطب، فمن سار معنا ومعكم على نهجهما فهو من المسلمين أصحاب المنهج الحق، ومن خالفهما فهو من المستسلمين، وهذا غير ذاك، فالمسلم هو من أسلم وجهه لله، تجدون هذه العقيدة الخالصة في رسائل الإمام الشهيد، وفي ظلال الشهيد سيد قطب، والمستسلم هو من أسلم وجهه للناس، فأخذ منهم علمانية، أو ليبرالية، أو مناهج أرضية ما أنزل الله بها من سلطان.

وثنية

ومنذ أن قضى مبعوث اليهود أتاتورك على الخلافة الإسلامية، والوثنية بصورها المختلفة قد دبت أقدامها في بلاد المسلمين، وثنية ليست كوثنية القرون الجاهلية، ولكنها وثنية أشد وأكثر خطرا، لأنها ارتدت ثوب الإسلام فعميت على الناس، ومن فرط انتشارها، أصبحنا وعيوننا لا نقع إلا على صنم قد هام في صنم، وقد تسلل الشرك الخفي في قلوب المسملين، وملأت مظاهر الشرك بالله الحياة السياسية ومهمتنا الكبرى هي محاربتها ومواجهة أنصارها من العلمانيين، والليبراليين، والاشتراكيين، وأصحاب المناهج الأرضية، هؤلاء هم أنصار الطاغوت لم يقفوا عند حد رفض حكم الإسلام، ولكنهم حاربوه وحاولوا بشتى الطرق خلعه من قلوبنا، ليسهل لهم خلعه من بلاد المسلمين.

العلمانيون هم الملحدون الجدد، اختفوا وراء عباءة العلمانية، وخدعوا العامة بأن علمانيتهم من العلم ليسهل لهم تمرير أنفسهم في مجتمعاتنا، والليبراليون ومن والاهم هم أهل الانحلال، سعيهم كله يدور حول نقل الليبرالية بمفهومها الغربي إلى بلادنا، حتى ولو كانت هذه الليبرالية في معناها هي عبادة الإنسان لذاته من دون الله، حيث تكون حرية الفرد هي الرب الأعلى الذي من أجله تلغى التشريعات الإلهية من حياتنا، هذه الحرية هي شرك بالله، وأصحابها يعبدون أنفسهم من دون الله، ويعبدون الغرب الذي ينقلون عنه.

وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «والله لتتبعن سنن من كان قبلكم- أي اليهود والنصارى- شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم" كل هذه الأشكال ليست من الإسلام في شيء، أفكارهم ليست كما يقولون تتفق مع الإسلام، فالإسلام ليس فيه إلا الحكم لله وحده هو صاحب الحق في التشريع، فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا الآية ٦٥ من سورة النساء، فالذين لا يحكمون شرع الله ليسوا من المسلمين، وليس الإسلام عقيدتهم، وفي واقعنا المعاصر نجد أن أهل السياسة جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها وهذا كفر.

إقامة الخلافة

ولا يكتمل المشهد الإسلامي إلا إذا أقام المسلمون الخلافة التي تضطلع بمهمة إقامة الدين، إذا لم تكن قائمة، وأن يدعموها ويتبنوها إذا كانت قائمة، ففي قوتها قوة الدين، وفي ضعفها أو ضياعها ضياع للدين، وما لم توجد هذه الخلافة فتقوم بواجبها، فسيظل أمر الدين متواريًا في زوايا الإهمال واللامبالاة، ومدرجًا على رفوف النسيان، فإذا أهمل المسلمون إقامة هذا الفرض، فلا ينبغي أن نركن إليهم «وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ » الآية ١١٣من سورة هود.

بل ينبغي أن يقوم الإخوان المسلمون بهذا الفرض نيابة عن جميع المسلمين، ومن أجل هذا كانت دعوة الإخوان يترتب عليها تطبيق أحكام الإسلام، وكون أنها فرض على المسلمين هو أمر لا شبهة في ثبوته في نصوص الشرع الصحيحة، فوق كونه فرضًا من جهة ما يحتمه الفرض الذي فرضه الله على المسلمين من إقامة حكم الإسلام وحماية بيضة المسلمين، إلا أن هذا الفرض هو فرض على الكفاية فإن أقامه بعضهم سقط عن الباقين، وإن لم يستطع أن يقيمه بعضهم، ولو قاموا بالأعمال التي تقيمه فإنه يبقى فرضًا على جميع المسلمين.

ولا يسقط الفرض عن أي مسلم ما دام المسلمون بغير خلافة، والقعود عن إقامة الخلافة هو معصية من أكبر المعاصي، لأنها قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام، يتوقف عليه إقامة أحكام الدين، بل يتوقف عليه وجود الإسلام في معترك الحياة، فإن أجمعوا على هذا القعود كان الإثم على كل فرد منهم في جميع أقطار المعمورة، واستحقاقهم الإثم على قعودهم عن إقامة الخلافة التي فرضها الله عليهم، لاسيما أن هذا الفرض تنفذ به كل الفروض، وتقام من خلاله أحكام الدين، ويعلو به أمر الإسلام.

خصوم الجماعة

لهذا أيها الإخوة كانت وجوبية التنظيم، فمن خلاله ستقوم دولة الإسلام، وبدولة الإسلام تقوم الخلافة، إلا أن هناك من يضع العوائق نحو إقامة دولة الإسلام، ونحو استعادة الخلافة، هؤلاء في حقيقة الأمر لا يقفون ضد فريق من المسلمين، ولا يقفون ضد الإخوان المسلمين، هم ليسوا خصوم الجماعة، ولا يخوضون الانتخابات باعتبارهم فصائل سياسية مختلفة مع الإخوان أو منافسة لهم، ولكنهم خصوم الإسلام، يقفون ضد فريضة إسلامية، وينكرون المعلوم من الدين بالضرورة، هؤلاء بذلك خلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم، وكذلك كل من أراد أن يقوض الجماعة سواء أولئك الذين كانوا معنا، أو الذين سخروا حياتهم وأموالهم لمواجهتنا، لأنهم في واقع الأمر لا يقفون ضدنا كجماعة بشرية يرد عليها الخطأ والصواب، ولكنهم يقفون ضدنا كجماعة ربانية تقوم وحدها نيابة عن المسلمين جميعا بالسعي لإقامة أعلى الفرائض الإسلامية.

الضرورات والمحظورات

ولأن هناك من يقف ضد هذه الفريضة، لذلك يجب علينا أن نسعى لها بكل الوسائل حتى ولو كانت هذه الوسائل في ظاهرها مفسدة، فالضرورات تبيح المحظورات، وهذه القاعدة هي إحدى القواعد الكلية الفرعية، فقد أدرجها بعض العلماء تحت قاعدة «الضرر يزال» وبعضهم تحت قاعدة «المشقة تجلب التيسير» أو تحت قاعدة «إذا ضاق الأمر اتسع».. وبمعناها قول ابن القيم وابن سعدي: لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة، وبتلك القاعدة نعيد ضبط المصطلحات السياسية، ونحدد مواقفنا الحركية التي نضبطها بالمصالح الشرعية، وهذا الضبط يضع أمامكم ملامح القاعدة الشرعية التي تحكمنا:
- السياسة الشرعية لها أحكامها، ومن أحكامها تغليب الأوجب على الواجب، والأصوب على الصائب، وإذا كان من الواجب في الانتخابات أن يكون أفراد قائمة الإخوان من أصحاب الكفاءات الشرعية والسياسية ممن يشتركون معنا في الغايات ولا يحاربون إقامة دولة الإسلام، فمن الوسائل أن نتترس في قوائمنا الانتخابية بهم، وهذا واجب والأوجب أن نتترس في قوائمنا بالجاهليين من الناصريين، والنصارى، والليبراليين من أجل صد هجمات التيار الجاهلي في المجتمع، ومن أجل هذا أيضا كان دخول نصراني في قوائمنا، كل هذا نعتبره وفقا لمعيار المصالح والمفاسد من الضرورات التي تبيح المحظورات.

- الشرائع الكلية لا تتغير بتغير الأزمنة، بينما السياسات الجزئية التابعة للمصالح، فتتقيد بها زمانا ومكانا، الشرائع الكلية هي التشريع العام الذي يشمل الزمان كله والمكان كله، والسياسات الجزئية هي ما لم تأت فيها نصوص بخصوصها، فإن الفقه فيها يكون عن طريق الاجتهاد الذي تكون غايته تحقيق المصالح ودرء المفاسد، والاجتهاد هنا ليس لمجرد تحصيل ما يتوهم أنه مصلحة أو درء ما يتوهم أنه مفسدة، بل هو اجتهاد منضبط بضوابط الاجتهاد الصحيح.

- الانتخابات والبرلمان والنقابات والتحالفات هي من السياسات الجزئية في السياسة الشرعية، ونحن نسعى للوصول إلى البرلمان ليس من أجل التشريع، لكن من أجل الشريعة، وليس من أجل إقامة حكم ديمقراطي، لكن من أجل إقامة حكم إسلامي.

- ليست الديمقراطية وما يتعلق بها من تداول للسلطة هي كحلف الفضول الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت"، ولكن الديمقراطية هي من الوسائل السلمية التي من خلالها سيتم التمكين لدين الله وإقامة دولة الإسلام، فهي مجرد وسيلة مثلها كصلح الحديبية، وكان هذا الصلح فتحًا عظيمًا، ونصرًا مبينًا للمسلمين، حيث تم بعده التمكين لدين الله في الجزيرة العربية، فلا عجب إذن أن يسميه الله تعالى فتحا مبينا.

الفرق المناوئة

- وإذا كنا قد جاهدنا في العقود الماضية ضد التزوير وتزييف إرادة الشعب المسلم، ودخلنا السجون والمعتقلات وصودرت أموالنا، واستشهد من استشهد من إخواننا، فإن ثورة يناير وأحداثها ونتائجها كانت بلا شك تتويجا لجهادنا، لذلك كان للإسلام أن يجني ثمار هذا الجهاد، وطريقة جني الثمار هي الأدق والأخطر في طريق التمكين لدولة الإسلام، لذلك كان لها فقهها، فالاصطدام بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة في أي مرحلة بعد الثورة كان من شأنه أن يعيدنا إلى الوراء سنوات، لذلك كان لنا أن نضبط التعامل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم الفعلي للبلاد وفقا لمعيار المصالح والمفاسد.

وكذلك الأمر مع الانتخابات التي صممت الفرق المناوئة للإسلام على تعطيلها خوفا من إقامة دولة الإسلام، وإذا كانت المظاهرات المليونية أو ما اصطلحوا على تسميتها بذلك قد خرجت في معظهما من أجل الاصطدام مع المجلس العسكري، ووأد الانتخابات القادمة، فإن فقه المرحلة لدينا قام على اعتبار أن الانتخابات والديمقراطية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والمظاهرات والأحزاب وحزب الحرية والعدالة والتحالفات ومن قبلها التعديلات الدستورية، كل هذه وسائل في طريق التمكين لدولة الإسلام، والذي منها ستكون دولة الخلافة والذي منها سيكون التمكين لدين الله في الأرض، وقد أجاز الفقهاء أن نترخص في الوسائل من أجل تحقيق مقاصد الإسلام.

هذه دراسة قام بها إخوانكم من أهل الاختصاص وهي لم تأت بجديد وإنما كانت تعريفا لمنهجنا السياسي الذي نحن عليه منذ أن قيض الله لهذه الدعوة الشهيد حسن البنا، وبعث فيها روحا جديدة بالشهيد سيد قطب، ولا غرو فقد كانت اجتهادات إخوانكم الأولين قائمة على تحصيل المصالح الأخروية والدنيوية ودرء المفاسد، وأيضا على التفرقة بين الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة، والسياسات الجزئية التابعة للمصالح التي تتقيد بها زمانا ومكانا وعلى المعرفة بالواقع والخبرة فيه، وفهم دقائقه، والقدرة على الربط بين الواقع وبين الأدلة الشرعية، وقامت أيضا على دراسة السياسة الشرعية للخلفاء الراشدين والفقه فيها، وعلى معرفة أن الاجتهاد في باب السياسة الشرعية ليس بمجرد ما يتصور أنه مصلحة وإنما يلزم التقيد في ذلك بالمصالح المعتبرة شرعًا، وآخر قولنا هو وصيتنا لكم بتقوى الله، وترك التفرق والتشرذم «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» الآية ١٠٣ من سورة آل عمران. 

** انتهت الدراسة دون أن تتطرق إلى الأسباب الحقيقية لصدور أوامر بانسحاب شباب الجماعة من محمد محمود قبيل يوم العاصفة الدامي، ولم يستطع واحد من قادة الجماعة أن يفصح من قريب أو بعيد عن حقيقة اعتلاء عناصر التنظيم الخاص للجماعة لأسطح العمارات المحيطة لارتكاب أبشع مذبحة ضد الثوار وهو الأمر الذي ستكشف عنه الأيام القليلة القادمة.

" نقلا عن العدد الورقي"
الجريدة الرسمية