يسألونك عن العـنــف
عاشت مصر العنف السياسى من قبل، عاشته فى سبعينيات القرن الماضى على أيدى جماعــــــة التكفير والهجرة وأميرها "شكرى أحمد مصطفى"، وأوائل الثمانينيات على يد الجماعة الإسلامية عندما اغتالت "السادات" رحمه الله، وحتى منتصف التسعينيات على أيدى الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، إلا أن العنف كان مقتصراً على العمـــــليات المسلحة التى كانت تمارسها هذه الجماعات الراديكالية ضد الدولة أو بعض الأفراد، كما عاشت مصر وجهاً آخر من العنف الذى كانت تمارسه بعض أجهزة الدولة ضد معارضيها من الأفراد أو الأحزاب، كالعنف الذى كانت تمـارســــه وزارة الداخلية ضد الجماعات الإسلامية الذى كان يصل فى بعض صوره القصــــوى إلى حد التصفية الجسدية، ومن يستحل التصفية الجسدية لن يجد غضاضة فى استحـــلال مـــا دونها، وكلا وجهى العنف كان يتم ويجرى خارج إطار الشرعية القانونية، فإذا القائم بهذا العنف ضبط متلبساً بممارسته أو قامت عليه الأدلة والشهود والقرائن على إتيانه وقع تحت طائــلـة الـقـــانــون، وإبان ثورة يناير 2011 م وبينما كان ميدان التحـــرير وغـيره مـن ميــادين التحرير الأخـرى يرفعون شعار: "السلمية" فى مواجهة عنف وبطش قوات الأمن فى الأيام الأولى، كان مـــــــن المفهوم أن الدولة تمارس سلطاتها فى حفظ الأمـــن ولكن بصـــورة مـفـرطـة خرجت عن إطــار المشروعية، وبات غير مفهوما أن تخرج عليك قوى من تحت الأرض أو تأتيك من حيث لا تحتسب فتهاجم أقسام الشرطة والسجون فى آن واحـــــــــد، وتستولى على الأسلحة والذخائر، وتخرج علينا من بطون الأرض المجرمين والقتلة ليعيثوا فى الأرض فساداً وإرهاباً وبلطجة.
وحتى الآن لم نعثر على إجابة عن ذلك الســـــؤال الساذج الذى يجرى تجاهله عمن فتح السجون واقتحم أقسام الشرطة؟! حتى لجنة تقصى الحقائق الثانية لم تجب فى تقريرها عن هذا السؤال الذى سوف يفتح مغاليق كثيرة تنبئ عــــــن الكثير من الأمور المجهولة، إن السؤال عن أسباب العنف الآن الذى اتخذ صورة العنف المجتمعى قد جاء متأخراً إلى حد كبير، فالدولة بأجهزتها الرسمية بعد الثورة اتخذت هى والجماعات الإسلامية المتطرفة فكراً وسلوكــاً جانباً، والمجتمع المدنى جانباً آخر.
وقد استندت الجماعات الإسلامية فيما تتخذه من مواقف فكرية أو سلوكية حيال المجتمع إلى سلطة الدولة، وبدلاً من أن تحمى الدولة بسلطاتها المجتمـــع مـــــن تطرف المتطرفين وغلوائهم باعتبار أن الفكر المتطرف يمثل تهديداً حقيقياً للمجتمع، نجـــد أن الدولة ترعى هؤلاء الناس وتوفر لهم الحماية والأمان ضد سلطات الدولة، وما حدث من تغول على سلطات الدولة بكفها عن ممارسة دورها فى مواجهة أحداث هى من صـــلب اختصاصاتها ما إلا دلالة واضحة على ذلك، واستدعاء الإخوان لحماية قصر الاتحادية وما حدث فى الاستفتاء عليه من تجاوزات تم تجاهلهـــا والغض من تأثيرها، وتحصين الجمعية التأسيسية التى خرجت بهذا الدستور المعيب وتفصيل قانون انتخابات برلمانية على نحو ما كان يفعل مبارك وعصابته ...الخ . والحوار الذى كان يجرى باعتباره حواراً وطنياً على خلاف الحقيقة لأنه حوار الفصيل الواحد، ومع ذلك لم يلتزموا بنتائجه عند مناقشة قانون الانتخابات، وهو ما وشى بما سيجرى حيال التعديلات الدستورية التى وعد بها الناس بعد الاستفتاء، أى غلق كل أفق للتغيير بالحوار المجتمعى.