رئيس التحرير
عصام كامل

في عيد ميلادك يا فيروز !


رغم كونها جارة القمر إلا أنها أيضا شمس العرب.. مصدر الدفء والحب والبهجة والجمال.. هي صوت الذهب وصوت الجبل وصوت الوادي وصوت البحر وصوت الأمل في كل شيء.. في رجوع كل لاجئ وكل ضائع وكل مشرد.. وفي لقاء الحبيب وعودة شمس مصر من جديد .. هي تاج الغناء العربي في نصف القرن الأخير.. هي معيار الجمال في الأصوات الملائكية العربية.. وهي مقياس العذوبة في الغناء العربي.. وهي رمز التجديد في الأغنية الوطنية والعاطفية والوصفية.. وهي قيثارة الشرق وعصفورته وهي سفيرة الأحلام كما يطلقون عليها هناك..



لم يكن يعلم رزق وديع حداد أن ابنته نهاد ستصبح يوما أهم وأكبر وأجمل وأشهر مطربة في لبنان وأنهم سيختارون لها اسم " فيروز" كعادة أهل الفن.. وعنوانا فيما بعد لكل أهل الفن .. خصوصا في بيروت..

ولم يكن يعلم رزق حداد أن ابنته هي مفتاح الخير له ولأسرته بل ولزوجها فيما بعد عاصي الرحباني.. ثاني اثنين صنعا معا أسطورة موسيقية في اللحن وفي الكلمات.. تتزوج فيروز من عاصي.. وتتردد في أواسط الخمسينيات مقدمة جديدة تسبق الأغنيات ومؤلفيها وملحنيها.. إنها عبارة "من تأليف وألحان الأخوين رحباني" ! وكان الكثيرون لا يعرفون من المعادلة الذهبية إلا نجمته فيروز.. قليلون وخصوصا من العامة والبسطاء لا يعرفون أن أحد طرفيها هو "عاصي الرحباني".. زوج فيروز ومكتشفها ومفجر موهبتها.. والثاني هو "منصور" الرقم المهم في المعادلة المهمة.. والعنصر الفعال في التفاعل الغنائي الأسطوري.. يلحنان معا ويكتبان معا كل أغاني فيروز تقريبا..

عرف الكثيرون لبنان من صوت ابنته " فيروز" ومن أشعارهما وألحانهما أيضا عرفوا السهل والوادي.. وعرفوا الشمس والجبل.. عرفوا الضيعة والمختار ( القرية والعمدة ).. وزاروا لبنان مع صوتها وحلقوا مع أنغامها في شماله وجنوبه.. في البقاع وفي إقليم التفاح.. في جبل الدروز ومع الصيادين في صيدا.. وكذلك فعلوا مع ألحان وكلمات الأخوين رحباني..

وحين فقد الثنائي أحد أعمدته برحيل عاصي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي يكتشف الجميع وخصوصا بعد أن كتب شقيقه منصور كتابه الشهير " أيام الشتا " أن منصور هو من كان يكتب كلمات الأغاني وأن عاصي هو من كان يلحنها.. ولم يمنع ذلك اشتراكهما بالرأي في اللحن والكلمات وأنه في الآونة الأخيرة كانت كل الأغاني أبناءهما الشرعيين!

وفي الأغاني الوطنية.. تحدث فيروز نقلة مهمة.. فيختفي عندها تقريبا نموذج الأغنية الوطنية الزاعقة.. يختفي الهتاف والبكاء والوعيد.. تختفي تقريبا الطبول والآلات النحاسية.. ونسمع الأغنية الأمل.. نسمع "سنرجع يوما " و" الغضب الساطع " و "بحبك يا لبنان" و"مصر عادت شمسك الذهبية" و"شط إسكندرية" .

فيروز.. احتفلت أول أمس بعيد ميلادها.. وهي لا تزال قبلة الزائرين المحبين للبنان العربي الحبيب.. وهي وبكل أمانة وصراحة.. تستحق من التكريم أكثر مما نالت بكثير..
كل عام وأنت بخير سيدتي.. ست الدنيا يا فيروز!

الجريدة الرسمية