النقد الثقافى لحركات الإسلام
أتت لحظة المواجهة الثقافية الحاسمة مع حركات الإسلام السياسي.. لقد أدار الشعب معركته السياسية الظافرة ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين الاستبدادى، وانتهت المعركة في 30 يونيو و3 يوليو بإسقاطه نهائيًا، بعد أن تأكد الفشل السياسي للجماعة، والذي عبر عنه عجز قياداتها عن إدارة شئون البلاد وعلى رأسهم الدكتور "محمد مرسي" رئيس الجمهورية المعزول الذي لا يملك إلا التشدق بالشرعية!
وقد ظن الرجل أن نجاحه الهزيل في الانتخابات الرئاسية حسب نتائج الصندوق المشبوهة والملوثة بالتزوير يعطى له الحق في الإعلان الدستورى الشهير الذي أصدره في أن يعلن نفسه دكتاتورًا مطلق السراح!
هُزمت جماعة الإخوان المسلمين سياسيًا بالضربة القاضية التي سددتها لها جموع الشعب الغاضبة، وبعد الدعم الجسور الذي قدمته القوات المسلحة للإرادة الشعبية، ولكنها لم تهزم ثقافيًا حتى الآن هي وباقى الأحزاب السياسية الدينية، لأن النخبة الليبرالية والثورية تقاعست عن توجيه النقد الثقافى لمشاريعها التي خلطت بين الدين والسياسة خلطًا معيبًا.
وإذا كانت مواضع الضعف في المشروع الإخوانى أصبحت ظاهرة للعيان بعدما تبين أن حلمهم الوهمى بإقامة الخلافة الإسلامية من جديد قد هوى لأنه لا أساس له ولا منطق فيه، إلا أن ذلك لا ينبغى أبدًا أن يثنينا عن ممارسة النقد الثقافى لمختلف مفردات المشروع السياسي المتخلف لجماعة الإخوان المسلمين.
وذلك لأن لديهم بالإضافة إلى موضوع استرداد الخلافة الإسلامية مشروعا اسمه "أسلمة المعرفة" حاول بجهالة شديدة الاستيلاء غير المشروع على التراث الغربى في بعض العلوم الاجتماعية، ومحاولة "أسلمته" على يد علماء اجتماعيين مسلمين، مما يدل على جهل شديد بتاريخ التأثر والتأثير بين الثقافات المختلفة.
بل إنهم يجهلون أن أوربا حين كانت غارقة في غياهب القرون الوسطى شدتها بشدة أضواء العلم الكاشفة التي كانت سائدة في الأندلس الإسلامية أيام ازدهارها، ولذلك أرسلت البعثات إليها لتعلم اللغة العربية وترجمة المخطوطات العربية في الطب والعلوم إلى اللاتينية مسندة إلى العلماء العرب لتكون أساسًا للنهضة الأوربية. وهذا اللقاء الحضارى بين حضارة متقدمة وحضارة متخلفة مسألة تكررت كثيرًا في تاريخ الشعوب.
ومن هنا لم يكن هناك اتهام سطحى لهؤلاء الأوربيين الذين حجوا إلى الأندلس لينهلوا من العلم العربى بأنهم أصبحوا تابعين للثقافة العربية، وهى الاتهامات السطحية التي توجه للعلمانيين العرب أنهم تأثروا بحضارة الغرب الكافر!
غير أن جماعة الإخوان المسلمين بحزبها "الحرية والعدالة" ليست بمفردها في الساحة، فلدينا أيضًا التيار السلفى والذي شكل حزب النور.
وهذا التيار الذي يخلط تمامًا بين الدين والسياسة- مثله في ذلك مثل جماعة الإخوان - لم يخضع حتى الآن للنقد الثقافى العميق.
ومن هنا؛ فالصيحات الهادرة التي تدعو لتطبيق "شرع الله" وكأن الشريعة ليست مطبقة، يحتاج إلى مناقشة نقدية، لكشف الأوهام الفكرية والتأويلات الدينية الباطلة التي ينطلق منها كل من جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين!
لقد امتد الفكر السلفى في غيبة من المجتمع بين جماهير عريضة من المواطنين نتيجة الأمية وتدنى الوعى الاجتماعى والثقافى، ثم ظهروا فجأة بعد ثورة 25 يناير وقرروا أن يعملوا بالسياسة وأسسوا حزب "النور" وهو حزب دينى ينطلق من مسلمات دينية لا تتفق بالضرورة لا مع الديمقراطية ولا مع وسطية الإسلام.
لقد انتهى عهد الغفلة عن هؤلاء، وآن أوان التصدى الثقافى لهم.