حقوق الإنسان فى السعودية.. قبل أن يقع الفأس فى الرأس
بحسب معرفتي البسيطة بأبسط حقوق الإنسان الواردة في مقدمة مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يفترض أن تلتزم به دول الجمعية العامة للمنظمة الأولى عالميا ( الأمم المتحدة )، فإن من حق أي إنسان على وجه الأرض اختيار المكان الذي يعتقد أنه يمكنه أن يأمن فيه على نفسه وماله.
ليست هي المرة الأولى التي تعلن فيها السلطات السعودية، أنها ستقوم بترحيل كل من يضبط مخالفا لأنظمة الإقامة وقد رحلت أعدادا كبيرة في الأعوام الماضية.. لكن ذلك كان بوسائل أكثر نضجا وإنسانية مقارنة بما يواجهه المخالفون من الأشقاء الأثيوبيين وغيرهم من أبناء الجنسيات العربية الذين انتهت رخص إقاماتهم ولم يتمكنوا من تجديدها لأسباب مختلفة ، تحديدا كان ذلك وقت كان يمسك بزمام هذه الملفات الحساسة الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله حين كان وزيرا للداخلية ثم وليا للعهد.
بالتأكيد لن يكون أي مخالف لأنظمة وقوانين الإقامة في أي بلد في العالم سعيدا بذلك، حيث سيواجه من المتاعب مالله به عليم، بدءا بالمستشفيات مرورا بالمدارس، والسكن وغير ذلك، وحتما سيكون هاجس كل مخالف في كل صباح تصحيح وضعه القانوني.
الكل يتساءل اليوم عن مسئولية ما آلت إليه الأمور بالدرجة الأولى، وأعتقد جازما أن المسئولية تقع على من يوصفون بهوامير التأشيرات الذين هم وراء هذه الكارثة الإنسانية، فكثير منهم استطاع في السنوات الماضية تجاوز الأنظمة الحديثة لجهاز الجوازات، واحتال على من حالفه الحظ في جمع ثمن شراء رخصة إقامة وباعه رخصة إقامة غير مثبتة في السجلات الإلكترونية للجوازات السعودية، يعني بالعربي تزوير عيني عينك !
وصف هذا الفعل كيفما تشاء عزيزي القارئ، وحين يضطر المسكين للتعامل بتلك الإقامة غير سارية المفعول في الدوائر الرسمية أو يحاول السفر يفاجأ بالمصيبة التي وقع فيها ولن يجد أثرا لمن سرق عرقه ووضعه في مواجهة القانون.
على المستوى الشخصي، أعرف عشرة أشخاص على الأقل وقعوا في ذات الفخ، وليجرب من يريد الحقيقة ويسأل عن مثل هذه الحادثة وغيرها من حوادث النصب على البسطاء.
أناشد السلطات السعودية أن تتريث وتحقق في تفاصيل هذا الأمر، خاصة أن هناك من التجارب المشابهة لدى دول الجوار الخليجية ما تثبت فشل الحلول الأمنية في مواجهة القضايا الإنسانية الحساسة كتجربة الإمارات المذهلة التي نفذت آخر فصولها العام الماضي، حيث فرضت غرامات تراكمية على كل مخالف ثم وبعد مرور سنوات ألغت تلك الغرامات لفترة من الزمن لكل من يريد أن يستفيد من هذه الفرصة ليعرف عن نفسه ويطلب السفر فيعفى من كل الغرامات السابقة ونجحت في ذلك ببراعة متناهية.
المسألة إنسانية قبل كل شيء يا سلطات مملكة الإنسانية.. ليست عنادا من أولئك البسطاء الذين هم مستعدون في أي لحظة لأن يفدوا بأرواحهم تلك الأرض التي تربى وترعرع معظمهم فيها وكثير منهم لم يعرف غيرها وطننا، ما يدفع الشبهات بأن هناك هدفا للإضرار بالأمن القومي للمملكة، وحتما فإن العاقل يستثني تلقائيا من تثبت إدانته بأي جرم أو مخالفة يعاقب عليها القانون.
نعول كثيرًا على رحمة وحنكة أولي الأمر في السعودية الذين غيبت عنهم الحقائق حول هذا الملف.. كما نعول كثيرا على مثقفي السعودية الذين لن يرضيهم أن يشوه بعض المراهقين والخارجين عن القانون سمعة أبناء السعودية عبر تلك الاعتداءات التي وصلت حد العنصرية العرقية، بل وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، مستغلين حداثة التجربة بالنسبة للأجهزة الأمنية التي وجدت نفسها في مأزق أمام هذه الكارثة الإنسانية، ففسر البعض تأني تلك الأجهزة أمام وضع مستجد تواطؤا من الأجهزة الرسمية تجاه الأثيوبيين والأفارقة عموما - مع استبعاد هذا الاحتمال طبعا - وحتما سيكون العالم بأسره شاهد بعضا من تلك المشاهد التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
في اعتقادي المتواضع، الأمر يحتاج إلى تكاتف من المثقفين والإعلاميين لتهدئة الأجواء لا شحنها عبر المقالات والتصريحات غير المتزنة والتي حمل في طياتها كثيرا من عدم المهنية بل والكراهية في أحيان كثيرة.
بإمكان برامج التوك شو السعودية التي تحظى بمتابعة الجمهور السعودي، أن ترصد آراء ومواقف المثقفين والأجهزة الرسمية وتعرضها بطريقتها، لأن المتضرر الأول والأخير هو المجتمع السعودي الذي ستترسخ لدى جيله الجديد ثقافة الكراهية والعنصرية إن مُررت تلك الممارسات –المحدودة- دون إدانة وشجب بل واعتذار لمن وقع الخطأ في حقهم من أبناء جميع الجنسيات التي تقيم على أرض السعودية وأصبحت جزءا من نسيجها الاجتماعي بل والثقافي أيضا، ولا يحتاج الأمر لمزيد من التذكير بتبعاته والتي بدأت في التداعي على المستوى الشعبي في دول الجوار مع اشتعال الأحداث عن اليمن وأثيوبيا وإريتريا والسودان أتحدث، إضافة إلى ردود الفعل الغاضبة التي شهدتها سفارات المملكة في عدد من عواصم دول كبرى.
عن نفسي: سأكون متفائلا، نعم سأتفاءل بأن يبادر بعض الإعلاميين والمحامين الفضلاء لمساعدة من ظلم في الحصول على حقه سواء برفع قضايا ضد من تسبب في فقدانه حقه في الحصول على ترخيص الإقامة أو الاقتصاص ممن اعتدى عليه وهدد أمنه وسلامة حياته أمام المحاكم السعودية بموجب القوانين المحلية والدولية، قبل أن يقع الفاس في الراس، ويسبقهم أحد برفع قضايا في المحاكم الدولية الأمر الذي من شأنه أن يسيء لسمعة السعودية في مجال حقوق الإنسان، إضافة إلى أن ذلك من شيم الكرام يا سادة، وهو أقل القليل الذي يتوقعه الجميع من أبناء دولة تقدمت بخطوات سريعة في مجال نهضة الإنسان وحرصت طوال عقود مضت لإرساء مبدأ الوقوف إلى جانب الضعفاء ويشهد لها التاريخ بذلك.