رئيس التحرير
عصام كامل

مراكز الأبحاث الأمريكية: مصر وروسيا صفعتا أمريكا.. القلق يجتاح الولايات للتقارب المصري الروسي.. نشر وثائق كامب ديفيد وإفشال صفقة طائرة روسية لأفغانستان يؤكدان تخبط واشنطن

مصر وروسيا
مصر وروسيا

حالة من القلق انتابت مراكز الأبحاث الأمريكية هذا الأسبوع نتيجة للتقارب المصري الروسي، وتناول مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية "CSIS" التحولات الدولية وما ينبغي أن يسلكه مسار السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وحث صناع القرار السياسي على "توخي التأني والصبر الإستراتيجي والمضي بالجهود الراهنة قدمًا للعقد المقبل من الزمن على الأقل".


وأشارت إلى أنه يتعين تقبل حتمية الانتكاسات الكبرى، وتحمل كلفتها، ومواصلة المسار مرة تلو الأخرى، فالعصر الراهن سيشهد تحولات بطيئة تستدعي إشراك الحلفاء والمؤسسات الدولية، وجاهزية لقبول التعقيدات المترتبة بأنها لا تتسق دوما مع القيم الأمريكية، وفقًا لما ذكره المركز.

وجاء في تحليل المركز الأمريكي أن زيارة الوفد الروسي رفيع المستوى لمصر أثارت قلق الدوائر السياسية الأمريكية، خشية عودة روسيا بقوة إلى المنطقة، ولفت ومركز الدراسات الإستراتيجية والدولية CSIS النظر إلى نقيض المعادلة بالقول إن "الزعماء الإقليميين لا يصطفون طلبًا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل إن العلاقات الروسية ساءت مع السعودية وتركيا ومعظم دول الخليج العربي منذ بدء أحداث الربيع العربي في 2011". 

وحث مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الإدارة الأمريكية على إجراء مراجعة لسياستها مع مصر، والتي كانت نواة توترها طبيعة العلاقة الاتكالية بينهما، بعد فوز الغرب في الحرب الباردة وإعادة صياغته لمسألة الصراع العربي- الإسرائيلي، واتكال المصريين على برنامج المساعدات الأمريكية بأنه حق لهم " وسريعًا بدأت الانتقادات المصرية تعلو برنامج المساعدات بأنه "ثمة مساعدات تذهب للشركات والموردين الأمريكيين.. وصيغة من الضمان الاجتماعي لها على حساب الشعب المصري".

أما عن ضوابط الأبعاد العسكرية في العلاقات الروسية- المصرية فتحليل المراكز، الذي أوردته صحيفة " التقدمية" الإلكترونية التي تصدر من سويسرا، يقول إن الولايات المتحدة منغمسة في إعادة تموقعها على المستوى الدولي، وضمان ديمومة شبكة مصالحها بعدما أدركت انكفاءها عن بعض الساحات والملفات، وتراجعها جزئيا عن قيادة القطب الواحد للعالم، واحتارت في استنباط السبل السويّة لإعادة ترميم عاجلة لعلاقاتها مع مصر، التي ما لبثت قيادتها الجديدة أن استدارت لفتح وتنشيط خطوط تقليدية باتجاه الشرق، وأثمرت زيارة رفيعة المستوى لوفد روسي ذي حجم معتبر، ويملك صلاحية اتخاذ القرار على الفور، على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري.

وازداد القلق الأمريكي مما يلوح لعودة روسيا إلى مصر بقوة بعد اقصائها من قبل السادات ومبارك، وجاء الرد الأمريكي بخطوتين تثيران الشفقة بدلًا من إثارة مشاعر الخوف والرهبة في الإقليم، تزامنا مع وصول الوفد الروسي ولقائه بوزيري مصر للخارجية والدفاع: الأولى إعلان وكالة المخابرات المركزية عن رفع السرية عن "بضع" وثائق تتعلق بمفاوضات كامب ديفيد، للتشويش على الداخل المصري والعربي، والثانية إعلان البنتاجون وقف عقد شرائها طائرات مروحية روسية الصنع لأفغانستان، تعبيرًا عن امتعاضها من التوجه لاستعادة مواقعها السابقة ومزاحمتها في أهمية مصر.

وتستمر مراكز الأبحاث الأمريكية في تحليلها للحالة المصرية بأن روسيا بدورها استبقت زيارة وفدها رفيع المستوى برسو طراد الصواريخ “فارياج” في ميناء الإسكندرية لمدة ستة أيام، الأولى من نوعها للشواطئ المصرية منذ نهاية الحرب الباردة، والقادة المصريين افصحوا بصريح العبارة عن نيتهم “تنويع مصادر السلاح” وشراء أسلحة متطورة روسية الصنع تعزز الدفاعات الجوية- وفق مراكز الأبحاث- التي قيدتها اتفاقية كامب ديفيد وعدم تحديثها، فضلًا عن الرفض الأمريكي تزويد مصر “ شبكة دفاع جوية متطورة بإمكانها تهديد إسرائيل”.

"الإفراط بالتفاؤل لعودة روسيا بقوة إلى مصر سابق لأوانه، لاسيما أن مصر لا تزال مقيدة باتفاقيات تتناقض مع هويتها وأهدافها ومصالحها" حسبما جاء بالتحليل، والاختراق الغربي لمصر في كل مناحي الحياة وتهديد متانة البنية الاجتماعية وهشاشة الأوضاع الاقتصادية، رافقها هجرة رءوس أموال كثيفة إلى الخارج.

أكدت المراكز أن صقيع العلاقات المصرية الأمريكية لن يدوم طويلًا لأسباب عدة، منها نهاية ولاية الرئيس أوباما في غضون ثلاث سنوات، وحاجة مصر لدعم أمريكي للحفاظ على ما لديها من مكتسبات، سواء في المعدات أو التجهيزات والقوى البشرية المدربة، فالرئيس الأمريكي المقبل قد ينهج سياسة مغايرة تمامًا لسياسة الرئيس أوباما، مع استبعاد ذلك، مؤكدة أن التطورات المقبلة في مصر تشير إلى ظروف واعدة لمصلحة مصر داخليا وإقليميا ودوليا.

"متطلبات واحتياجات مصر من المعدات التسليحية ورفع مستوياتها لتتلاءم وتتسق مع تحديات وتقنيات العصر تبقى ثابتة وعلى رأس الأولويات العسكرية ومشترياتها" حسب مراكز الأبحاث الأمريكية، فمصر بحاجة ماسة وملحة لأسلحة حديثة ومتطورة في الدفاع الجوي، والجانب التسليحي الذي استثنته الولايات المتحدة من صادراتها العسكرية لمصر خشية تهديد إسرائيل، ورضخت مصر لتلك الشروط القاسية وما تبقى لديها من نظم صاروخية ورادار سوفيتي الصنع، أضحى خارج الخدمة منذ زمن، وبحاجة ماسة إلى التحديث.

وأضاف المركز أن مصر في حال استعراض لاحتياجاتها من نظم دفاع جوية روسية من طراز Buk M2 (الصاروخ الذي اسقط الطائرة التركية فوق المياه الاقليمية لسورية) وTor M2 متوسط المدى وبانتسير Pantsir-S1 للمديين القصير والمتوسط، والسعي لتوفير تمويل كاف لشرائها.

وتجدر الإشارة إلى تغير ظروف تسديد كلفة الأسلحة الروسية التي كان الاتحاد السوفيتي يقدمها مجانا كمساعدة، أما روسيا اليوم فهي تتعامل بمنطق السوق وتطلب تسديد الثمن مسبقًا. الأمر الذي يضع عراقيل إضافية امام نية التخلي عن المصادر الغربية في الفترة الحالية.

مصر أيضا تتطلع للحصول على احدث الطائرات الروسية المقاتلة، من طراز ميغ- 29 ام 2، تبدأ بشراء 24 طائرة مقاتلة تبلغ كلفتها الإجمالية نحو 1.7 مليار دولار. هل سيؤدي ذلك إلى شروع مصر في خطة شاملة لتحديث ترسانتها العسكرية بالاعتماد على الصناعات الروسية بشكل رئيسي؟ الاجابة تتطلب استعراض وضع الأسلحة المختلفة للقوات المصرية.

القاذف السوفيتي الشهير المضاد للمدرعات، أر بي جي، لا يزال يستخدم بكثافة في القوات المصرية التي عبرت قناة السويس بفضل حسن استخدامه، أما دول الناتو فلديها قذائفها الخاصة المضادة للمدرعات: ميلان الفرنسية، سوينغ فاير البريطانية، وتاو الأمريكية.

الدول الأوربية ستتأثر سلبا بصورة أكبر من الولايات المتحدة في حال تخلت القوات المصرية عن منتجاتها المضادة للدبابات.

وسلاح المدرعات المصري هو الاحدث من بين كل صنوف الأسلحة نظرا لموافقة الولايات المتحدة على قيام مصر بصنع مكونات مدرعات ابرامز الحديثة على أراضيها، مما وضعها في المرتبة الثانية بعد “إسرائيل” في تعداد وحداثة المدرعات المتوفرة.

لدى الترسانة المصرية أيضا نسخة معدلة من دبابة تي - 55، من طراز رمسيس 2، وعدد من المدرعات القديمة من طراز تي - 62، والتي تم تحديثها بعض الشيء من قبل دول حلف الناتو، خاصة بريطانيا وألمانيا وايطاليا، ومصر ما زالت في وضعية طلب ود دول الحلف لفترة مرئية. 

حقيقة الأمر أن بعض قطع الأسلحة الروسية الحديثة تتفوق على مثيلاتها في ترسانة حلف الناتو. كما أن الصناعة الحربية المصرية ما زالت توفر قطع الغيار وما يلزم من صيانة للترسانة القديمة من أسلحة سوفيتية.

يعد سلاح الجو المصري أحد أكبر الأسلحة عددا في المنطقة، قوامه 216 طائرة مقاتلة أمريكية الصنع من طراز اف - 16، مما يضعه في المرتبة الرابعة من بين الدول التي تعتمد على ذاك الطراز؛ ولديه عدد من طائرات الاعتراض الفرنسية الحديثة من طراز ميراج - 2000؛ و579 طائرة أخرى مقاتلة و149 طائرة مروحية مسلحة من بينها 35 من طراز اباتشي AH - 64D، فضلا عن مقاتلات ميج - 21 المستخدمة بكثافة، واخرى من طراز سكايبولت اف - 7، والفانتوم اف - 4، وميراج 5، وطائرات شحن من طراز هيركيوليز سي - 130.

شرع سلاح الجو المصري بتحديث الهياكل المتقدمة لطائرات ميغ - 21 بمساعدة اوكرانيا، لكن مستوى النجاح لم يكن مرضيا.

قرار الرئيس اوباما بايقاف توريد الشحنة المستحقة من مقاتلات اف -1 6، على خلفية عزل الإخوان عن السلطة، عزز اهتمام مصر بالحصول على المقاتلة الروسية الحديثة ميج - 29، التي صممت خصيصا كرديف متطور عن اف - 16.

اقتناء سلاح الجو لمقاتلات حديثة مشهود بكفاءتها يعد مصدر اعتزاز وثقة بالنفس وفخرا وكبرياء على الصعيد الشعبي. دخول المقاتلات الروسية لترسانة سلاح الجو المصري، في الجانب المعنوي، سيعد صفعة توجه للولايات المتحدة من الطرفين، الروسي والمصري. دخول الميج للخدمة الفعلية يستغرق بضع سنوات عادة لإتمام برامج التدريب والصيانة والتسليم.

تتعاظم حاجة البلدين- مصر وروسيا- لتنمية وتثبيت علاقات التبادل بينهما في شتى المجالات، والتي تجري وفق قواعد السوق وجني الأرباح بخلاف ما كان يوفره الاتحاد السوفيتي آنذاك من مساعدات عسكرية مجانية وسلع تشجيعية ودعم سياسي ثابت لمصر، لتؤكد الدراسات أن حاجة مصر الراهنة والملحة لتعزيز قدراتها الدفاعية، لاسيما في مجال نظم الدفاعات الجوية، أدى بها للسعي لتمويل ما تتطلبه من مشتريات من دول خليجية، السعودية أو الإمارات وربما الاثنتين معًا، وهذا الشق بحد ذاته كفيل أن يضع مصر في مصاف دولة رئيسية لروسيا وصناعاتها العسكرية ومنتجاتها الزراعية، خاصة القمح. بالمقابل، تحول مصر شرقا سيترك تداعيات عدة على علاقاتها المتشابكة مع دول حلف الناتو، وتسعى لتفادي التباعد عنها واستحداث أزمة سابقة لاوانها.

وتتحكم مصر ببعض نقاط القوة والتفاوض مع الولايات المتحدة، وتسعى لتسخيرها لمصلحتها بخلاف نظم الحكم السابقة منذ عهد السادات، أهمها مصير اتفاقية كامب ديفيد، التي تحرص الولايات المتحدة على استمرارية العمل بها تقابله بمساعدات عسكرية لمصر، ثبت انها غير كافية لمتطلبات وطموح المؤسسة العسكرية المصرية لحماية أمن وسيادة بلادها.

استخدام واشنطن سلاح الترهيب لمصر، بقطع بعض المساعدات، يعرض تلك الاتفاقيات لآفاق مفتوحة مناوئة للسياسة الأمريكية، فضلًا عن الكلفة الاقتصادية للشركات والمصالح الأمريكية بتوقف المساعدات المالية التي تمول الشركات الأمريكية وصناعاتها الحربية بالدرجة الأولى؛ فضلًا عن تداعيات الكساد الاقتصادي على القاعدة الانتخابية الداخلية والانتخابات المقبلة على الأبواب.

المراكز تؤكد أن كلا من روسيا ومصر اتخذتا قرارًا لا رجعة عنه بتعزيز أوجه التعاون وتنمية العلاقات بينهما، مما يعزز قدرة مصر على تحدي السياسة الأمريكية في بعض المجالات، وتوفر فرصة لا تعوض لروسيا توجيه صفعة أخرى للولايات المتحدة، وما ستتركه من تداعيات على المستويات العالمية.

فقد فرضت الولايات المتحدة شروطًا قاسية ومذلة على مصر في مجال المنتجات الزراعية، خاصة مادة القمح، في عهد الرئيس المخلوع مبارك، إمعانا في التحكم والسيطرة على سيادة مصر. روسيا، المورد التاريخي والثابت، للقمح والحبوب الاخرى لمصر استمرت في تصدير القمح لمصر بمعزل عن الضغوط والقيود الأمريكية، مما شكل مصدر قلق لصناع القرار السياسي الأمريكي، عبرت عنه المؤسسة الاستخبارية البحثية، معهد ستراتفور، بالقول: " تستطيع روسيا دعم مصر بكميات كبيرة من صادرات الحبوب ".

في موسم الحبوب لعامي 2012-2013، بلغ حجم الصادرات الروسية ما مجموعه ثلث الاحتياجات المصرية من الحبوب، أي ما يقارب 2.7 مليون طن، ويبشر العام الحالي رغد لإنتاج روسيا من الحبوب، ومن المتوقع أن تشهد الصادرات ارتفاعا ملحوظا لعامي 2013 - 2014. العقبة الاخيرة بين مصر وروسيا تمحورت حول التسعيرة والكلفة – اذ لا تستطيع مصر تسديد كلفة الحبوب الروسية التي تفوق معدلاتها مصادر الحبوب الاخرى مثل اوكرانيا.

ومن المحتمل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاقية تتيح التصدير بأسعار مخفضة.
الجريدة الرسمية