المتعاركون فوق الجثث
لا تحتاج حكومة الببلاوي برهانا يثبت فشلها حتى الآن، في إدارة شئون البلاد.. فرم الأجساد تحت عجلات قطار دهشور ليس وحده عنوان التقصير والارتباك في أداء الواجب في مرحلة تخطت حدود ما هو أصعب إلى العصيب، بعد أن تحولت حياة المصريين إلى سلسلة من الأزمات التي لا يعرف الناس كيفية الخروج منها.
ثلاث سنوات من عمر ثورتهم يكملها المصريون في 25 يناير المقبل، ولا تزال الأحلام عاجزة عن التحقيق رغم الوعود من الحكومات المتعاقبة على اختلاف ألوانها ومشاربها، فيما أصحاب السعادة من المتسلقين ونهازي الفرص، تتسع رقعتهم على حساب شعب يئن تحت وطأة غائلة الأيام التي لا ترحم.
هل هو قدر المصريين أن تتقاذفهم أنواء الساسة، وأن تنهش أجسادهم المعتلة، مشارط من لا يرحمون، وأن أعطوا الناس من طرف اللسان حلاوة؟ وهل كتب على الفقراء من أبناء هذا الوطن العيش تحت رحمة من لا يرحم ؟!
لا يعرف البسطاء الركض في دهاليز السياسة التي اعتاد المتلونون، والطامعون، على التسكع في ممراتها لاقتناص ما يمكن اقتناصه، كل ما يعرفه الناس هو السعي وراء لقمة عيش أصبحت شحيحة، وأمست غير متوفرة للسواد الأعظم منهم، وسط لهاث يومي لا يتوقف وراء الأرزاق.
في سيرك السياسة، الذي نصبه المهرجون الجدد، يحتار المرء أيهما يتابع اللاعب بالبيضة والحجر، أم مروض القرود؟! البعض يرى الحل في الساحرة الشمطاء، ونفر يفضلون الاستعانة بالحاوي الذي يخرج الحيات من طية ملابسه مثنى وثلاث ورباع وما ملك من حيل؟! حجرة المرايا التي تختلط فيها الأشكال، هي الحل عند بعض الجماعات.. لكن ما رأيكم في الراقصة ولمبة النور؟! هي ابتكار مصري خالص يجب أن نسجله في الشهر العقاري العالمي خشية أن يسرق نصاب دولى هذا الاختراع العجيب!.
باختصار تحولت حياة المصريين إلى حقل للمتلاعبين بالمصائر، ومن غادر الحياء وجوههم، ففرشوا الملايات لبعضهم البعض كيدا ومكايدة، وكأن الأوطان كرة يجب أن تتقاذفها الأرجل فوق أسفلت ساخن يشوي الوجوه ويسلخ الأجساد.
يلتهم قطار دهشور أجسادا، أنهكها التعب عقب مناسبة عائلية، ونامت عنها الأعين الحارسة، تحولت إلى مناسبة للمعايرة بين أنصار هذا المسئول، وغرماء ذاك، عن أيهما كان أكثر رحمة في تكفين الموتي، وأقل قسوة في قتل ضحاياه، فيما الوطن الذبيح يطلق لعناته على جميع من تلوثت أيديهم بالدماء.
يتسابق الجميع في الحشد والتعبئة لاستنزاف القدرات المتهالكة لدولة نخشى أن تدخل مصاف الأنظمة الفاشلة، ولا نرى منهم حشدا أو جمعا لضرب صادق على يد الإهمال ولا حتى المعاونة في إزالة آثار ما تخربه أيديهم في حروب يريدونها زادا يوميا لشعب يراقب في صمت، ليس لعجز وإنما انتظارا لانقشاع غبار المتعاركين، وقتها يأتي الحساب العسير فاحذروا أيها المتلاعبون.
نعاني أزمة حقيقية، تهدد بما هو أكثر من مصائب القطارات، فترتفع الحناجر رفضا للسعي إلى حلول توافقية، وكل يستل سكينه لنحر الطرف الآخر، وباب المزايدة منصوب من كل الأطراف المنهمكة في الترتيب للاستحواذ على أكبر قدر من الكعكة، لا يهم أي قيم أو مبادئ يتم دهسها تحت النعال!!.
من دون الاعتراف بأن السفينة مثقوبة، وتحتاج إلى علاج فورى وحاسم، يشارك فيه الجميع، ولا يستثني أحدا ومن غير الاعتراف من الكل بأنه ساهم بشكل أو بآخر في صنع تلك الثقوب، سنظل ندور في دوامة مفزعة، تنتج كل يوم كارثة جديدة.