رئيس التحرير
عصام كامل

وجع قلب «مصر»


إيه يا أمى، دموعك الساخنة تحرق قلبى، تمزق روحى، تدمر سلافة خاطرى، أبناؤك يقتلون أبناءك، سرادق العزاء بطول البلاد وعرضها، تتشحين بالسواد، تلطمين خديك الطاهرتين، وتهيلين التراب على رأسك الشريف، الدماء ساخنة، لم تبرد جثث القتلى فى القبور ليلحق بهم مواكب قتلى جدد، ولا تدرين، أتبكى الراقدين الأولين أم من يدخل اللحد الآن.



كنا نلوذ بحضنك لننعم بالأمان، نرشف أنفاسك العطرة، نتطهر بها، تُغسل أرواحنا بحنانك، لكنك الآن يا أمى ثكلى، ووسط نحيبك تتضرعين إلى ملك الملوك أن يتوقف نهر الدم عن الجريان، هل كتب عليك الحزن السرمدى، والبكاء الأبدى، والنحيب الدائم؟.

ما بال الغلظة لا تفارق قلوب أبنائك العاقين؟ أمن العدل أن يهجم الجنود على المستشفى ويطلقون الرصاص على الثوار الجرحى، وأن تمطر الشرطة من يحملون نعوش أبنائهم إلى القبور بقنابل الغاز؟.

قلوب الأمهات يعتصرها الحزن والألم، وهن يودعن فلذات الأكباد، يتشممن ملابسهم، ذاكرتهن محفور بها سيل الذكريات، لحظة المخاض، وأول دفقة لبن فى فم الوليد، نظرة امتنانه لعينيها، سخونة التسنين، أول كلمة ينطق بها، فرحة دخوله الحضانة، إعجابه بطعام أمه، ذهابه إلى المدرسة، عمل الواجب، تقبيل يد الأم صباح الامتحان، العودة مجبور الخاطر، الإصرار على النوم فى حضنك؛ ليكون وجهك آخر ما يراه فى ليلته، يتفانى فى حبك، يحرص على رضاكِ، يصلى من أجلك فى مرضك، تفيضين عليه بحبك وحنانك، يكبر، تكبر محبته لك ومحبته فى قلبك، تغارين عليه من زميلته فى الجامعة، يدرك، يفيض بحبه بقبلات على يديك، وفوق جبينك الطاهر، تتحدثين عنه بإعجاب وحب، يؤكد للجميع أن أمه حبه الخالد، وأنه يعشق التراب الذى تسيرين عليه.

علامات الشباب وعنفوانه يتدفق فى عروقه، يقدسك أكثر، يلبى نداء الثورة، ينزل الميدان يهتف لمصر، رصاص الغدر يصعد بروحه إلى السماء، يترك لك جسده المضرج بالدماء، تصرخين.. ولدى.. ابن عمرى.. تبكى الملائكة لبكائك ونحيبك، تتشحين بسواد الأيام، مات الغالى، قرة القلب، لك الله يا أمى، وجع قلبك وجعى.

 

الجريدة الرسمية