الجيش الذى تسوده البطالة
«الجيش الذي تسوده البطالة، يجيد المشاغبات»، عبارة صحيحة مائة في المائة.. أحسب أن الذين صاغوها لهم في علوم الاستراتيجية والاجتماع والتربية.. إذ لابد أن يكون الجيش في حالة استعداد دائم من حيث الضبط والربط، والكفاءة القتالية وما تتطلبه من تدريب ومناورات وإحسان استخدام السلاح.. وهكذا، فقد يباغته العدو في أي لحظة، وكما يقال: «الاطمئنان يورث الغفلة»، و«يؤتى الحذر من مأمنه»..
ومن ثم، فالجيش الذي يتراخى عن فعل ذلك ينشغل بسفساف الأمور والحكى فيما لا طائل وراءه، وتتجه طاقاته إلى المشاغبة والهزل والعبث، وما يستتبعه ذلك من تفكك وتحلل وضياع.. لا خلاف على أن الإخوان فشلوا في حكم مصر.. دخلوا في حرب سافرة مع كل مؤسسات الدولة، وعادوا الشعب، وأدت ممارساتهم إلى انقسام المجتمع إلى الأهل والعشيرة ومن سار على الدرب، والشعب كله على اختلاف شرائحه وطوائفه، وبالتالى أوصلوا البلاد إلى حافة الهاوية..
لذا، قامت ثورة ٣٠ يونيو، ثم الإطاحة بحكمهم في ٣ يوليو.. كان السبب الرئيسى وراء الفشل هو قيادة الجماعة، ممثلة في مكتب إرشادها، علاوة - بطبيعة الحال - على دور الدكتور مرسي الذي لم يكن مستقلا عن هذا المكتب، بل كان منصاعا له منفذا لكل ما يأتيه من قرارات وتوجيهات وتعليمات.. لقد كانت فكرة الترشح سيرا في الطريق الخطأ، وكانت إدارة الحكم سيئة وبائسة وتعسة، ودلت على أن قيادة الجماعة ضيقة الأفق، فاقدة للرؤية، ولم تكن بأى حال على مستوى التحدى.. بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبت في حق الوطن، فقد ارتكبت قيادة الجماعة ومناصروها جرائم كبرى في حق الأفراد التابعين لهم، وهو ما كان يستوجب المحاسبة والمساءلة..
وحتى لا يتم ذلك، اخترعوا لهم قضية المؤامرة، لكنها لم تنجح لتبرير الفشل، ووجد الإخوان أنفسهم أمام حجم كبير من الكراهية طال قطاعات عريضة من الشعب.. ساقوا إليهم مسألة الانقلاب، لكنهم فشلوا أيضا، حيث إن ما تم كان ثورة وليس انقلابا.. لذا، قاموا بتوريط الأفراد ودفعهم في مصادمات دموية مع الجيش والشرطة والشعب بزعم استعادة «الشرعية»..
وكانت النتيجة سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى، وبالتالى توقف التمرد وتم استدعاء كربلائية جديدة، حيث الإحساس بالمظلومية والمحن والابتلاءات والمرارة والحزن، وتوجيه الشعور بالكراهية وضرورة الثأر والانتقام ممن فعلوا ذلك بهم.. إنه اجترار لما حدث للجماعة طوال عقود، مع اختلاف واضح وبين هذه المرة..
في الماضى، كانت الجماعة في المعارضة.. أما هذه المرة، فكانت في السلطة التي لم تستطع القيام بحمل أعبائها والوفاء بمتطلباتها.. والسؤال هنا هو: ألم تدعموا وتشجعوا وتحفزوا «الداخلية» فيما قامت به في عهدكم، وكنتم تقولون عن الضحايا إنهم مستحقون للقتل لأنهم بلطجية وأطفال شوارع، وأنه لا بأس من التضحية «بشوية» كى يستمر ويستقيم الحال؟ أيضا، هل غابت عنكم وسائل «الداخلية» وأنتم تعتصمون في رابعة والنهضة؟ هل تصورتم أنها سوف تربت على أكتافكم وتأخذكم بالأحضان، خاصة أنكم هددتم وتوعدتم وأوقعتم منهم ضحايا؟
إذا كان ذلك كذلك، فأنتم لا تستحقون أن تكونوا قادة، بل تجب محاكمتكم، سواء كنتم غير مدركين للحقيقة والواقع، أو كنتم تريدون صرف الأنظار عن مساءلتكم ومحاسبتكم.. أنا هنا لا أعطى تبريرا للقتل أو إراقة الدماء، أيا كانت، فهذه أمور حددها الشرع والقانون، لكن لابد أن يتحمل كل طرف مسئوليته.. شتان بين قيادات الجيش التي تدفع الجنود في حالة البطالة، إلى التدريب والتأهيل والارتقاء بالكفاءة القتالية، حماية للوطن واستعدادا للذود عنه بكل مرتخص وغال، وبين قيادات تدفع أفرادها إلى مصادمات دموية حتى لا تتمرد عليها أو تقوم بمساءلتها ومحاسبتها.
habib1928@gmail.com