رئيس التحرير
عصام كامل

الجامعة الأمريكية.. والاحتلال الناعم

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

لم يكن للولايات المتحدة أن تجد أقوى من القوة الناعمة سلاحا للنفوذ إلى عواصم الدول الإسلامية المهمة في الشرق الأوسط، وعلى رأسها القاهرة، وكان التعليم هو الضمانة لنشأة أجيال جديدة تعتنق أفكار الأمريكان وتنفذ برامجهم، ليس فقط التعليم الابتدائى، وإنما أيضا التعليم العالى، باعتباره أقصر طريق إلى عقول الطبقة المثقفة، وعلى هذا الأساس أنشأ مبشرو واشنطن الجامعة الأمريكية في بيروت والقاهرة في مخطط للانتشار في عواصم الدول الإسلامية المحورية.


التفكير في إنشاء الجامعة جاء بداية عام 1899، عندما نادي ثلاثة من مبشرى الإرسالية الأمريكية في مصر، منهم أندرو واطسن الذي أسس الجامعة الأمريكية بعد ذلك، بإقامة كلية بروتستانتية في القاهرة، حيث ذكر فرنمان جوست أن مؤسسة كهذه يمكنها أن تكون مركزا للمواجهة الفكرية مع الإسلام.

وقام واطسن ورفاقه بتقديم وثيقة للقنصل العام الأمريكى في مصر حول الحاجة إلى إقامة مؤسسة للتعليم العالى، وتم تشكيل لجنتين بالفعل لدراسة المشروع الأول عام 1902 بطلب من هيئة الإرساليات الأجنبية للكنيسة المسيحية المتحدة في أمريكا، والتي أيد تقريرها بعد ست سنوات إنشاء الجامعة تحت اسم "جامعة مسيحية لمصر"، لتصدق اللجنة الأولى على المشروع عام 1911.

وفى عام 1913 قدمت اللجنة الثانية تقريرها، ولخصت فيه دوافع إنشاء الجامعة، وتمثلت في عدم وجود جامعة مسيحية في منطقة شمال أفريقيا التي يوجد بها 24 مليون نسمة على الأقل يتكلمون العربية، ويحتاجون إلى التعليم المسيحى لكى يشكل حياتهم اليومية، ولإعداد قادتهم للمستقبل، بالإضافة إلى المكانة الإستراتيجية لمصر باعتبارها مركزًا فكريًا للعالم الإسلامى، مما يفرض على المسيحية أن تقدم أفضل ما لديها من تعليم لتتحدى الإسلام في مركزه الفكرى، وأيضا استكمال منظومة التعليم الأجنبى التبشيرى، وإظهار شخصية المسيح للناس وإعدادهم مهنيا لكى تتحول بلادهم إلى مملكة للرب.

الأوضاع الداخلية المصرية والوضع المسيحى النشط هيأ الأجواء لدعم مشروع الجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ لاسيما مع قدرة سلطات الاحتلال الإنجليزى على تكوين نخبة تتعاون معه بشكل تام، وهو ما قال عنه اللورد كرومر: "واجبنا الأول هو إقامة نظام يسمح لجمهور السكان بأن يكون محكومًا وفقا للأخلاق المسيحية، ولذلك فإن الهدف تكوين طبقة من السادة، وأن سياسة (فرّق تسُد) لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق التربية، والتحالف مع الصفوة أفضل بكثير من كسب الجماهير".

وقد تزامن ذلك مع وقت كان فيه التيار المسيحى العالمى مستمرًا في نشاطه بعقد المؤتمرات التبشيرية، وأهمها مؤتمر عام 1910 بعنوان "ضرورة تبشير العالم كله"، وآخر عقد عام 1911 في مدينة لكهنؤ الهندية والذي أوصى بـ "ضرورة إنشاء جامعة مسيحية قوية في القاهرة من أجل تطوير العنصر الدينى لدى شباب مصر وتدريبهم على القيادة من أجل العمل المسيحى، ومن أجل جذب شعوب مصر وما جاورها إلى المسيح ورسالته".

وانحصرت توجهات الجامعة في الشأن الدينى، بهدف ضمان الشخصية المسيحية للجامعة وتأثيرها على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من خلال المقررات الدراسية والحياة الجامعية بغية تنمية الولاء المسيحى لديهم، ولتكوين جزء من الوكالات التبشيرية لمواجهة الإسلام.

وكان يراعى في اختيار المدرس الاتفاق مع تحقيق أهداف الجامعة الأمريكية، وهو ما أوضحته لائحتها الداخلية عام 1945، بأنه عند تعيين هيئة التدريس يوضع في الاعتبار توفر الشخصية المسيحية للشخص المراد تعيينه من أجل تحقيق الهدف التبشيرى.

وقد حاولت الجامعة أن تجعل الهدف التبشيرى ونشر العقيدة المسيحية هي الشغل الشاغل لها، وذلك من خلال المناخ الجامعى المتمثل في نشر الروح الديمقراطية أو ربط الطالب بأستاذه والروح الكنسية عن طريق جو الجامعة الذي يشبه إلى حد كبير الطقوس المتبعة في المدارس الإيرانية، كما أجبرت الطالب الذي لم يتوافق مع الأهداف الأساسية للجامعة -في مقدمتها نشر تعاليم المسيح- على الانسحاب من الجامعة.

وعلى عكس ما أرادت أمريكا، خرجت أفكار الجامعة عن السيطرة وتحولت إلى ساحة للثورة على هيمنة أمريكا على العالم، فثار الطلاب ضد الاستعمار الإسرائيلى لقطاع غزة، وقاموا بحرق علم إسرائيل أثناء تظاهرهم داخل الحرم الجامعى، وردد الطلاب مجموعة من الهتافات تندد بالعدوان، منها: «يا غزة.. بلد العزة»، ورفعوا عدة لافتات تضامنا مع أهالي غزة، عليها جملة: «تسقط إسرائيل».

كما ثار الآلاف من طلاب الجامعة وموظفيها، بسبب سوء الإدارة واستغلال الموظفين ومحاباة نظام المخلوع حسنى مبارك.

ولا يُنسى أن الجامعة الأمريكية تخرج منها الناشط وائل غنيم، والذي كان له دور محورى في ثورة 25 يناير، وكذلك المطربة عايدة الأيوبى التي أشعلت الثورة بأغانيها الوطنية، إضافة إلى العديد من الإعلاميين الذين حاربوا الاستحواذ الأمريكى على شعوب العالم.

الجريدة الرسمية