الصفعة.. والعملاء.. ورعب العلاقات مع روسيا!
تاريخ نظيف ومثمر وقديم هو ذلك التاريخ الذي يربطنا بروسيا.. روسيا وريثة الإمبراطورية السوفيتية العظمي التي كانت تتبنى الأيديولوجية الشيوعية.. وفي الفكر الشيوعي يؤمنون بمساواة الإنسان بالإنسان علي كوكب الأرض ويرفضون استغلاله بكل الصور.. لذا كانت السلع الصناعية من الدول الشيوعية لا تؤمن بالصيغة الاستهلاكية التي يبني عليها النمط الرأسمالي.. فمثلا كانت السيارة الـ "لادا" الروسية من أقوي السيارات في العالم.. ليس بها من وسائل الترفيه ولا البهرجة.. وإنما فيها من القوة والمتانة الكثير.. وهو لا يصنع سلعا تعتمد علي فساد محتوياتها كل يوم لكي يبيع قطع الغيار إنما يبيع سلعة تعيش لدي المستهلك.. لكي تخدمه وليس لكي تستغله.. ولذلك كان التعاون مع الاتحاد السوفيتي السابق في حدود المصالح المتبادلة.. ومن دون استغلال يرهق الميزانية المصرية ويستنزفها ويستغلها كما تفعل الدول الرأسمالية بفوائد قروض أو أي تعامل يصل إلى حد النهب المنظم ..
وعندما تنطلق العلاقات المصرية الروسية بعد حدثين مهمين للغاية وهما تأميم مصر لقناة السويس وتأسيس مصر مع الهند ويوغسلافيا لحركة عدم الانحياز.. فكان منطقيا أن يدرك الاتحاد السوفيتي أنه سيتعامل مع دولة تتعامل بكل ندية مع كل دول العالم وخصوصا أنها تمتلك الآن - وقتها - نفوذا كبيرا في محيطها العربي والأفريقي بل والعالمي..
ومن هنا جاء التعاون علي مبدأ التكافؤ.. الذي أثمر المصانع الثقيلة.. الحديد والألومنيوم.. وأثمر صناعات حربية تم التأسيس لبنيتها الأساسية قبل أن تبدأ.. ولم يكن السد العالي وحده هو ثمرة هذه العلاقات وإنما سلسلة متشابكة من العلاقات المتكاملة.. ولذلك لم تكن صدفة تلك الدراسة في رسالة الدكتوراه التي يشير إليها المفكر الاقتصادي عصام رفعت ويقول فيها "إن الاقتصاد المصري كان يساوي وبالأرقام - نكرر بالأرقام - 20 ضعف اقتصاد كوريا الجنوبية وحتي عام 75.. ثم بدأ التدهور بعدها !"
العلاقة مع الاتحاد السوفيتي ورغم قوتها.. ورغم تدهور العلاقات مع أمريكا وقتها.. لم تمنع مصر من السير في طريق القومية العربية وهو ما يتناقض تماما مع المبادئ الشيوعية التي تؤمن بالأممية.. ولم يمنع مصر عبد الناصر من التصدي لأي نفوذ شيوعي في المنطقة وكان أبرزه وقوفه في خصومة مع عبد الكريم قاسم بالعراق.. ولم تمنع العلاقة القوية أن يحل الشيوعيون المصريون كضيوف دائمين في سجون الستينيات في قضايا وتنظيمات مختلفة!
للأسف تعرضت العلاقات المصرية- الروسية للتشويه والتزييف في الحقبة الأمريكية الوهابية.. في زمن أرادوا إقناع الناس فيه بتحول الصديق إلي عدو والعدو إلي صديق.. ولعب الإخوان دورا كبيرا وخطيرا في الأمر.. كذبوا وفبركوا عشرات القصص والأكاذيب والشائعات.. وتناسوا أننا انتصرنا بسلاح روسي في أكتوبر الذي نحتفل به كل عام.. وأنهم عندما طلبت منهم مصر تركها خلال أسابيع تركوها في يومين ودون أن يؤثر ذلك علي صفقات السلاح.. وأننا لم تطلق علينا رصاصة واحدة صنعت في روسيا منذ عرفنا العلاقات معها، وأن كل شهدائنا من ضحايا السلاح الأمريكي.. وأن الخبراء الروس كانوا يلبون أي استغاثة علي الفور في كل أزمة فنية كان يتعرض لها السد العالي.. أعظم بناء بشري في القرن العشرين!
باختصار: علي قدر عظمة القادة تكون قوة العلاقات.. وعلى قدر قوة العلاقات يكون حجم الإنجازات وروعتها.. وعلي قدر الصفعة لأمريكا من عودة هذه العلاقات.. ستجدون محاولات رجال أمريكا بكل جهدهم لإفسادها وتشويهها.. فلا تتركوهم!