التمييز العنصري يحرم الأجانب من الحصول على سكن مناسب بألمانيا
يصعب على المرء العثور على شقق بأسعار معقولة في المدن الألمانية الكبرى، لأن الطلب المتزايد على المساكن يفوق العرض بكثير. ويعتبر الأجانب، الفئة الأكثر تضررا، نظرا للتحيز العنصري والأحكام المسبقة السائدة عند بعض المؤجرين.
"لا نأجر للأجانب!"- هكذا كان جواب أحد المؤجرين على أيسغول آكار، التي كانت تبحث آنذاك عن شقة للإيجار.
ولقد هاجرت أيسغول إلى ألمانيا قبل أكثر من 30 سنة قادمة من تركيا، وهي تعيش الآن في مدينة بون في ولاية شمال الراين وستفاليا، حيث تتركز نسبة كبيرة من الأجانب.
وتؤكد أيسغول ارتباطها الوثيق بألمانيا وحبها الكبير لهذا البلد.
غير أن تجاربها في البحث عن منزل أو شقة جديدة لم تخل من المصاعب والعراقيل والأحكام المسبقة.
وفي هذا الصدد تقول أيسغول: " لقد غيرت السكن ثلاث مرات في ألمانيا، وعشت تجارب سيئة في كل مرة كنت أبحث فيها عن شقة جديدة، فمن وجهة نظر المؤجرين لم أكن الشخص المناسب: لأن لدي اسما أجنبيا ولكنه مغاير وظهور مختلف".
تجارب أيسغول أكار القاسية في رحلة بحثها عن سكن لائق لا تشكل استثناء داخل سوق السكن الألمانية، فالغالبية العظمى من الأجانب والمهاجرين تشعر بالتمييز العنصري عند البحث على سكن جديد في ألمانيا.
وهذا ما يؤكده استطلاع الرأي، الذي أجراه مجلس خبراء المؤسسات الألمانية للاندماج قبل عامين، معتمدا في ذلك على آراء نحو 10 آلاف من السكان من أصول أجنبية.
المسلمون والأفارقة السود أكثر عرضة للتمييز
ووفقا لمكتب الإحصاءات الاتحادي، يعيش أكثر من نصف سكان ألمانيا في مساكن مستأجرة. وفي المدن الألمانية الكبرى مثل برلين وهامبورج لتصل هذه النسبة إلى نحو 80 في المائة.
وهو ما يجعل العثور على سكن لائق للإيجار وبأسعار معقولة مهمة صعبة للغاية في هذه المراكز الحضرية.
وغالبا ما يجد المؤجر نفسه أمام سيل من الطلبات والمتقدمين الذين يختار منهم "الأنسب" حسب شروطه وتصوراته الخاصة.
وهو ما يجعل حظوظ ذوي الدخل المنخفض والأمهات العزب والعاطلين والطلبة، جد ضعيفة.
وعلاوة على ذلك فإن الأحكام المسبقة والتحيز العنصري قد تكون أيضا من بين أهم الأسباب التي تحول دون حصول بعض المهاجرين أو السكان ذوي الأصول الأجنبية على سكن.
وتعتبر النساء المسلمات، اللواتي يرتدين الحجاب والأفارقة السود، الفئة الأكثر عرضة للتميز العنصري في هذا المجال. وهو ما تؤكده بيرته فايس من مركز Basis&Woge للإرشاد، حيث تقول: "عندما يأتي أناس من هاتين المجموعتين لزيارة إحدى الشقق المعروضة، غالبا ما يكون رد المؤجر: أنا آسف، الشقة تم تأجيرها".
ويعمل مركز Basis&Woge في مدينة هامبورج على تقديم المساعدة لضحايا التمييز.
ويقدر مركز الإرشاد نسبة المشتكين من التمييز في مجال السكن بنحو 20 في المائة.
ويقوم المركز في مثل هذه الحالات بتقديم النصائح والإرشادات القانونية، خاصة أن القانون في ألمانيا يدافع عن المستهدفين بكل أشكال التمييز، كما تؤكد كريستينه لودرز، رئيسة وكالة مكافحة التمييز في مقابلتها مع DW، مشددة على أنه: " لا يجوز في ألمانيا التمييز ضد أي أحد بسبب أصله أو عرقه أو جنسه.
هذا ما ينظمه قانون المساواة العامة في المعاملات، الذي ينطبق على مجال السكن أيضا. إلا أن لودرز تعترف من جهة أخرى أنه غالبا ما يصعب إثبات وقوع التمييز، لأن المؤجر عادة ما يعطي أسبابا أخرى للرفض.
الاسم العائلي قد يكون سببا للإقصاء
وبدورها لم تكن أيسغول واثقة بالأسباب الحقيقية لعدم حصولها على سكن بسهولة، فربما لم يكن ذلك بسبب التمييز.
إلا أن جميع شكوكها تبددت بعدما قامت صاحبة ابنها باختبار أحد المؤجرين: وتشرح أيسغول هذا الاختبار قائلة: "بعد ما حصلت مرة أخرى على الرفض عبر الهاتف قمت برهان مع ابني، الذي يتحدث الألمانية بطلاقة ودون لكنة، بعد بضع دقائق اتصل ابني هاتفيا بنفس الرقم، لكن تحت اسم مستعار" السيد شولتز "، وبالفعل المؤجر أخبره بأن الشقة خالية ويمكن أن يحدد موعدا لمعاينتها".
وتقول بيرته فايس من مركز Basis&Woge للإرشاد عن هذا "الاختبار": "إن الهدف منه هو إظهار أن المتقدمين من أصول أجنبية يتم التعامل معهم بشكل مختلف ". وعند وجود مثل هذه الأدلة، يمكن بعدها اتخاذ إجراءات قانونية، هذا على الأقل من الناحية النظرية.
حظوظ ضئيلة أمام المحكمة
ولكن الأمر يختلف على أرض الواقع، حيث يصل عدد قليل جدا من الحالات إلى المحكمة، رغم الموقف القانوني الواضح ودعم منظمات مكافحة التمييز.
وهو ما يؤكده المحامي سيباستيان بوش، الذي سبق له أن دافع أمام المحكمة عن العديد من ضحايا التمييز في مجال السكن. ويضيف بوش في مقابلته مع DW: "المشكلة الأساسية تكمن في أن مثل هذه الإجراءات القانونية تطول لعدة أشهر، وهذا يعني أنه حتى لو تم الحكم لصالح المتضررين بالحصول على الشقة، إلا أن ذلك سيكون متأخرا جدا بالنسبة لهم".
وحتى أيسغول أكار لم ترغب في اللجوء إلى القضاء، لأن ذلك من شأنه أن يأخذ منها الكثير من الجهد والوقت. إلا أنها تمكنت في نهاية المطاف من العثور على منزل جديد، تشعر فيه بالكثير من الراحة، على حد تعبيرها.
ولكن موقفها من المؤجرين الألمان يبقى سلبيا، خاصة أن الشقة التي تعيش فيها الآن يملكها إسباني.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل