رئيس التحرير
عصام كامل

مخاطر التطرف الأيديولوجي


سيشهد التاريخ أن جماعة الإخوان المسلمين، التي أنشأها الشيخ حسن البنا في الإسماعيلية عام 1928 هي أخطر الحركات الإسلامية التي شهدها القرن العشرين لأنها – من بين سمات أخرى متعددة- شديدة التطرف الأيديولوجى.


والتطرف الأيديولوجى ظاهرة عابرة للمذاهب السياسية في الواقع، والتي تتراوح بين أقصى اليمين وأقصى اليسار مرورًا باليمن المعتدل والوسط واليسار المعتدل.

وذلك لأنها تتعلق بالمطلقات، ونعنى بذلك على وجه الدقة أنها تنطلق من مبدأ أن معتنقيها يمتلكون الحقيقة المطلقة، وأنهم بمفردهم القادرون على تغيير العالم إلى الأفضل بعد القضاء – حتى باستخدام العنف والإرهاب- على الواقع السياسي الموجود والذي لا يتفق مع مبادئهم.

وهكذا يمكن القول إن هناك تشابهًا شديدًا في البنية النفسية للدينى المتطرف، والذي قد يصل به تطرفه إلى ممارسة الإرهاب الصريح باعتباره حقا مشروعًا له، والشيوعى المتطرف، واليمينى المتطرف والذي ظهرت أنماطه في القرن العشرين، وتمثلت في النازى المتطرف والفاشى المتطرف والعنصرى المتطرف.

والتشابه في مجال المتطرفين الأيديولوجيين لا يقتصر على البنية النفسية التي تميزهم، ولكنها وثيقة الصلة بالتنظيمات التي يشكلونها والتي تتسم -وياللغرابة- بملامح مشتركة.

ولنأخذ على سبيل المثال جماعة الإخوان المسلمين، سنجد أنها تنظيم حديدى يقوم على مستويات إدارية متدرجة تبدأ بالمرشد العام ثم مجلس الإرشاد الذي يقوم باختيار هذا المرشد ويبايعانه على القيادة أو "الإمارة" وكأنه أمير المؤمنين، ثم مجلس الشورى الذي يسلك باعتباره الجمعية العمومية للجماعة. وبعد ذلك نجد المكاتب الإدارية وكل مكتب يتبعه عدد من الشعب والتي يكون لكل شعبة رئيس وتضم كل شعبة عددًا من الأعضاء.

وأهم سمة لهذا التنظيم هي تقديس الرئيس وهو هنا المرشد العام، ليس ذلك فقط ولكن الاعتماد على مبدأ السمع والطاعة، بمعنى الالتزام الكامل بأوامر الرؤساء والقادة حتى لو كان فيها هلاك الأتباع.

وتنبع هنا أيديولوجيات فرعية مثل الموت في سبيل العقيدة، أو في سبيل الدفاع عن الجماعة، وتحبيب الاستشهاد للأعضاء باعتباره أسمى القيم التي ينبغى على العضو أن يتحلى بها.

انظر إلى الهتافات الشهيرة لجماعة الإخوان المسلمين "الله أكبر ولله الحمد، القرآن دستورنا والرسول زعيمنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

والمرشد العام وقادة الجماعة هم الذي يحددون للأعضاء المعارك التي يدخلونها باعتبارها موتًا في سبيل الله، كما أقنعوا أتباعهم من البسطاء في اعتصام "رابعة" أنهم إن ماتوا دفاعًا عن "رابعة" فإن ذلك سيكون موتًا في سبيل الله!

ولو حللنا الخطب التي ألقاها قادة الجماعة في رابعة من أول المرشد العام "محمد بديع" إلى خطب "محمد البلتاجى" و"عصام العريان" وغيرهم من قادة الجماعة، لوجدناها تترجم شعارات الجماعة والتي تركز على أنهم مقاتلون في سبيل الله!

ولو نظرنا إلى النازية لوجدنا تشابهات تلفت النظر بين الزعيم هتلر والمرشد العام "محمد بديع"، فتقديس النازيين لهتلر مسألة معروفة، والتزامهم بأوامره بلا مناقشة أشبه ما يكون بمسألة السمع والطاعة لدى الإخوان.

ونفس التشابهات نجدها في الفاشية، حيث يكون الزعيم وهو "الدوتشى موسولينى" هو الشخصية المقدسة في الحزب الفاشى والذي لا ترد أوامره.

ولو انتقلنا الآن إلى التنظيمات العنصرية ومثالها في فرنسا الحزب العنصرى الذي يقوده "لوپـن" لوجدنا نفس الملامح تقريبًا للتنظيمات النازية والفاشية والإسلامية المتطرفة، والتي اعتبرنا أن نموذجها البارز هو جماعة الإخوان المسلمين.

ولو طبقنا التحليل السابق على تشكيل وسلوك جماعة الإخوان المسلمين لفهمنا لماذا كان الرئيس السابق محمد مرسي تابعًا ذليلًا لمكتب الإرشاد حتى بعد أن أصبح رئيسًا للجمهورية، بل إنه لم يجرؤ على اتخاذ قرار واحد بغير العودة إلى المرشد ومكتب الإرشاد.

وقد شاهدنا فيديو لاجتماع مكتب الإرشاد برئاسة "محمد بديع" ورأينا كيف كان "محمد مرسي" يقدم تقريرًا إضافيا عن مباحثاته مع "كارتر" وغيره من الساسة الأمريكان، ويقرر أن كل ذلك كان تحت إشراف مكتب الإرشاد.

وخطورة الجماعات المتطرفة دينيا وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين أنها استطاعت أن تنشر دعوتها في عديد من بلاد العالم، لدرجة سمحت لها بتكوين النظام العالمى للإخوان الذي أصبح يدير فروع جماعات الإخوان المسلمين في مختلف البلاد وفقًا لسياسات متفق عليها، بالإضافة إلى توفير مئات الملايين للإنفاق على الدعوة وعلى تنفيذ المخططات الانقلابية التي تقوم بها فروع الجماعة في مختلف البلاد.

غير أنه يضاف إلى خطورة الانتشار على المستوى العالمى وقدرة أعضائها المنتشرين في دول شتى على الدفاع الباطل عن الجماعة، وخصوصًا بعد أن تولت السلطة المطلقة في مصر كما يفعلون الآن في إنكار ثورة 30 يونيو والادعاء بأنها انقلاب عسكري، التنظيم الحديدى للجماعة والذي يسمح لها بأن تواصل أنشطتها التخريبية بعد إسقاط الشعب للحكم الإخوانى المستبد واعتقال قادتها الرئيسيين.

ومعنى ذلك أن معركة الشعب مع جماعة الإخوان المسلمين حتى بعد سقوطها التاريخى ممتدة وتحتاج إلى سياسات ثقافية فعالة، لتبديد الوعى الزائف الذي زرعته في أذهان الآلاف من أعضائها!
الجريدة الرسمية