مصر وروسيا 70 عاما من العلاقات الدبلوماسية المتناقضة.. راسخة في عهد "ناصر".. منهارة بوجود "السادات".. دافئة خلال حكم "مبارك".. باردة أيام "مرسي".. وأمل في نجاح "السيسي" بإعادتها إلى متانة الستينات
أخيرا وزيرا دفاع وخارجية روسيا يصلان إلى مصر، عقب سلسلة من الرسائل الغرامية بين القاهرة وموسكو خلال الفترة الماضية، وعقب زيارات للوفود الشعبية والروسية المتبادلة بين الطرفين، ووسط حديث حول صفقة تسليح كبرى منتظرة، ألقت حجرا بالمياه الراكدة في العلاقات الدبلوماسية، العلاقات الروسية المصرية رغم جذورها التاريخية والتي تمتد إلى سبعة عقود مضت، شهدت الكثير من المتناقضات والمتعرجات، وبين الدفء والبرود، ظل الطرفان يحرصان على الحفاظ على "شعرة معاوية" بينهما، على أمل مد جسور التواصل من جديد، وعودة الدفء بين القاهرة وموسكو، وهو الأمر المرتهن الآن، بمجريات المباحثات المرتقبة بين الأطراف وما يتبلور عنها من اتفاقيات.
وتأتي زيارة وزيري الدفاع والخارجية، بالتزامن مع احتفال السفارة الروسية بالقاهرة بالذكرى السبعين للعلاقات الدبلوماسية بين مصر وروسيا، حيث أصدرت دار «أنباء روسيا» للنشر كتابا إضافة لعدة احتفاليات ثقافية وسياسية حول المناسبة.
ورصد كتاب "صفحات من تاريخ العلاقات المصرية الروسية.. 70 عاما علاقات دبلوماسية" مراحل العلاقات بين القاهرة وموسكو، منذ القرن التاسع عشر، وانقطاع العلاقات مع الثورة الروسية 1917 (البلشفية)، ثم عودتها في العهد الملكي 1943 (وهو ما تحتفل به السفارة الروسية بالقاهرة) وبلوغها الذروة خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، ثم تراجعها لأربعين عاما، ثم الأحاديث القوية عن تنميتها مع عدم استقرار علاقات مصر والولايات المتحدة في ظل رغبة القاهرة الجارفة في خلع عباءة واشنطن التي أعلنت بشكل فج انحيازها لمصالح خفية تربطها مع جماعة الإخوان ورئيسها المعزول، وتوهمت أنها تملك مفاتيح ضخ الدم في شرايين الدولة المصرية العتيقة.
تعود جذور العلاقات المصرية الروسية إلى عام 1748 عندما عينت روسيا قنصلا في الإسكندرية كممثل لها بمصر، وفي عام 1939 اتخذت الحكومة المصرية برئاسة علي ماهر قرارًا بإقامة العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي السابق، والتي بدأت بالفعل في 26 أغسطس 1943، وفي مارس 1954 تم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين مصر والاتحاد السوفييتي السابق إلى مستوى السفراء.
وفي عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان الاتحاد السوفييتي هو مرمى الهدف للعصر الناصري، وانتهج "ناصر" نهجًا اشتراكيا يساريا كان مهده الاتحاد السوفييتي، وشملت العلاقات المصرية السوفييتية نواحي عسكرية وسياسية واقتصادية، وتحديدًا عندما لعب الاتحاد السوفييتي الدور الأبرز في رد العدوان الثلاثي عن مصر، وساعد مصر في تمويل بناء السد العالي.
وخلال زيارة لعبد الناصر إلى الاتحاد السوفييتي، تم التفاهم على تعاون الاتحاد السوفييتي ومصر في إقامة مجموعة من مشروعات الصناعات المعدنية والهندسية وتوليد القوة الكهربية، وعندما تعرضت مصر للعدوان الإسرائيلي عام 1967، أصدرت الحكومة السوفييتية بيانًا نددت فيه بالعدوان الإسرائيلي، وقدم الاتحاد السوفييتي التأييد السياسي الدولي لمصر في كل المحافل الدولية، واتخذ الرئيس الروسي في هذا التوقيت ليونيد بريجنيف قرارًا بإرسال ما يقرب من عشرة آلاف خبير ومستشار عسكري إلى مصر بعد نكسة يونيو عام 1967.
لكن في عام 1972 أدارت مصر ظهرها للاتحاد السوفييتي واتسمت العلاقات بين القاهرة وموسكو بالفتور بعد زيارة مساعد الرئيس الأمريكي "هنري كيسنجر" ووعد السادات بـ3 مليارات دولار مقابل التخلي عن الحليف السوفييتي، وتعمقت العلاقات المصرية الأمريكية بعد اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل والتي لعبت فيها واشنطن دور الوسيط، حيث دعمت أمريكا مصر عسكريا بـ40 مليار دولار، منذ إبرام اتفاقية كامب ديفيد في عام 1979 وحتى الآن.
وفي عام 1981 عاد التحسن التدريجي في العلاقات المصرية السوفييتية، وجاءت بداية هذا التحسن في نوفمبر 1982 عندما أرسل الرئيس الأسبق حسني مبارك وفدًا رفيع المستوى لتشييع جنازة الرئيس السوفييتي "برجينيف"، وفي سبتمبر 1984 استؤنفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتطورت العلاقات بينهما على نحو ملحوظ في كل المجالات، وبادرت مصر في عام 1991 بالاعتراف بروسيا الاتحادية كوريثة شرعية للاتحاد السوفييتي السابق، وشهدت التسعينات عدة زيارات دبلوماسية لموسكو.
وعقب وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000 حدثت تغيرات كبرى في موسكو، بعدما استطاع بوتين تحقيق درجات متزايدة من الاستقرار السياسي والاقتصادي، كما أبرز تأكيدًا واضحًا بضرورة استعادة روسيا لمكانتها في مصاف القوى الكبرى، وأبدى درجة عالية من الاستقلالية في صنع القرار الروسي على الصعيد الخارجي، وتحديدًا في مواجهة الضغوط الأمريكية من خلال عدة مواقف متتالية منها التعاون العسكري مع إيران.
وفي عام 2001 وفي مسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين تم انعقاد الدورة الثالثة للجنة المصرية/ الروسية المشتركة للتعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية في الفترة من 19 – 25 أبريل قبيل زيارة "مبارك"، وأسفرت عن التوقيع على اتفاقيات عديدة في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية والاتصالات والأقمار الصناعية والتعاون في المجالات الطبية وغيرها.
وقد مثل الصندوق المصري للتعاون الفني مع دول الكومنولث، آلية فعالة وناجحة في تطوير أشكال التعاون الفني والعلمي والتكنولوجي بين مصر وروسيا، ونقل التكنولوجيا إلى مصر عن طريق إيفاد الخبراء إلى مراكز الأبحاث المصرية ونشر اللغة العربية في روسيا ودول رابطة الكومنولث.
أما في عام 2006 فقد زار وفد من وزارة البترول موسكو للمشاركة في مؤتمر "الأسبوع الدولي الرابع للمعادن"، والتقى مع مسئولي وزارة الطاقة والصناعة الروسية لبحث إمكانيات إقامة مشروعات مشتركة في مجالات الطاقة والتعدين والاستفادة من الخبرة والتكنولوجيا الروسية في مجالات البحث وتقييم الاحتياطيات التعدينية وتطوير معدات البحث والاستكشاف والإنتاج في مصر.
أيضا شارك وفد روسي من وزارة الصناعة والطاقة وممثلي الشركات الخاصة والعامة المعنية بالتعاون مع مصر في أعمال المؤتمر الدولي للتعدين الذي نظمته وزارة البترول بالقاهرة عام 2006، كما عقد الاجتماع الأول لمجموعة العمل المعنية بالتفاوض على اتفاق التجارة الحرة مع روسيا بالقاهرة.
وفي عهد المعزول محمد مرسي وبعد زيارته لموسكو، استقبلته روسيا ببرود، فخلال زيارته الرسمية الأولى قابله في المطار عمدة ولاية "سوشي" ودون إجراء أي مراسم استقبال رسمي له وهو ما وضعه في مقارنة مع الزعيم عبد الناصر الذي استقبل استقبال الفاتحين بروسيا وتم تكريمه والاحتفاء به.
واليوم تسير البلدان على خطى متوازية لاستعادة العلاقات بقوة، وتجسد ذلك في زيارة وزيري الدفاع والخارجية الروسيين للقاهرة، والتي جاءت عقب ثورة 30 يونيو وسعي مصر القومي الجديد في تعدد مصادر التسليح والبحث عن حلفاء دوليين جدد، خاصة مع أمل البعض في نجاح الفريق عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع، في إعادة العلاقات لمتانة الستينات إبان حكم عبدالناصر.