رئيس التحرير
عصام كامل

حوار غير وطنى



"لا يوجد داخلنا أعمق مما وضعناه بأنفسنا"

هذا ما قاله الفيلسوف ريتشارد رورتي، وما قاله يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يحدث فى أرض الواقع المصرى وغيره من بلاد العالم المتحضر وغير المتحضر، الغني والفقير، الشمال والجنوب، المتدين وغير المتدين، فكل إناء ينضح بما فيه، ويمتلئ  الإناء بمحتوى ما نقوم به فى الحياة.

فمن يعمل بجد ليل نهار لابد وأن يحصد شيئاً ، من يتكلم عن المبادئ دون توقف فمن البديهى أن يحصد فقط بعض الكلمات، من يستخدم الكلمات الرنانة طوال الوقت غالباً ما ينتهى به الأمر فى مكان ما فى التاريخ بحيث لا يقرأ عنه الكثير، بينما يظل أصحاب الأعمال العظيمة فى موقع متميز.

لن ينسى العالم غاندى أو نيلسون مانديلا أو جوزيه موخيكا رئيس أورجواي الذى كان يتبرع ب ٩٠٪ من راتبه للفقراء، ويقود سيارة فولكس فاجن قديمة ، لكنه لا يعتبر نفسه فقيراً.

الإنسان يستطيع تحديد هويته فى تلك الحياة حين يمتلك الروح والجرأة ومواجهة أخطائه وخطاياه.

ولن تتقدم مصر خطوة واحدة فى أى اتجاه إلا إذا اعترفنا بجميع خطايانا، و لن يستثنى التاريخ أحداً.

يقسم السيد رئيس الجمهورية على احترام القانون والدستور ثم يقوم بعزل النائب العام و تعيين آخر ضارباً بعرض الحائط كل القوانين والأعراف وبالدستور ذاته. .

يصر السيد الرئيس على الاستفتاء على مشروع دستور انسحب منه الجميع ما عدا أهله وعشيرته والتيار المفضل لديه، ويكرر نفس الأسلوب الاستفزازى فى جلسات الحوار المسمى الوطنى وينسحب الكثير ويظل يسميه الوطني، وتتوالى الأحداث ويقتل الكثير فى أحداث دامية ببورسعيد والسويس والقاهرة أثناء تظاهرات ٢٥ يناير وعقب النطق بالحكم فى مجزرة استاد بورسعيد، و ما زلنا لا ندرى سبب توتر القاضى عند النطق بالحكم و عدم وجود حيثيات لهذا الحكم. ثم يدعو الرئيس مرة أخرى إلى حوار وطنى وكأنه حوار من طرف واحد، طرف يحاور نفسه و فى كل مرة نجد نفس النتائج، ويظل فريق الرئيس يلعب بنفس التشكيل، وتنهزم مصر، لكن السيد الرئيس لا يدرى أو لم يُخبر بعد، ويستمر الحوار دون نتائج.

الحوار الوطنى الحقيقى يتوقف على الرغبة الصادقة فى تغيير الواقع نحو الأفضل، و ليس الاستفادة القصوى من الوقع السياسى الممزق فى اللحظة الراهنة، ليست القوة أن نستقطع من الوطن فى ضعفه بل فى التوحد لجعله أفضل. ولن يصبح الواقع أفضل إلا حين يشعر الجميع بالعدل .

فى حوار مع صديق صيدلى قرر الهجرة إلى كندا من عدة سنوات، وكنت قد اندهشت من قراره لكنه أقنعنى حين قال لي، أنه ليس مهاجراً رغبة فى المال أو أية أسباب متعلقة بفرص العمل، لكنه قرر أن يهاجر كى يعيش فى وطن يتعامل فيه الجميع بعدل ومساواة أمام القانون.

التهميش العمدى لفئة أو جماعة فى أى مجتمع سوف يؤدى حتماً إلى عنف، لو لم يشعر كل مواطن أنه جزء أصيل من نسيج المجتمع بغض النظر عن الفصيل السياسي أوالعقائدى الذى ينتمى إليه سوف يصاب الفرد بإحباط يؤدى حتماً إلى عنف لن ندرك مداه وغالباً ما يزيد من حدة الانقسام المستشرى منذ تولى السيد الرئيس وعشيرته ولا عزاء لباقي المواطنين .

شريف رزق
عضو مجلس أمناء المبادرة المتحدة للأديان.

الجريدة الرسمية