رئيس التحرير
عصام كامل

عيون وآذان (جريمة هزت أمريكا والعالم)


تظهر إحصاءات أمريكية أنه خلال الشهر الذى تبع قتل 20 طفلاً وستة بالغين فى مدرسة ساندى هوك الابتدائية فى ولاية كونتكت قُتل 926 أمريكيًا بالرصاص، والرقم لابد أن يكون تجاوز الألف لدى كتابة هذه السطور.

 

جريمة 14 من الشهر الماضى هزت أمريكا والعالم، وجعلت الرئيس باراك أوباما يسعى إلى الحد من حرية حمل السلاح، وهو عمل يحميه التعديل الثانى للدستور الأميركى الذى أعطى المواطنين حق امتلاك السلاح وحمله، واستعماله فى مجالات قانونية، من دون أن يكون لحامل السلاح علاقة بالعسكر، فالمشرعون رأوا أن ميليشيا منظمة ضرورية لأمن الدولة.

 

المشكلة فى التعديل الثانى أنه صدر فى 1971/12/15، أى قبل أكثر من 220 سنة، والاستقلال الأمريكى موضع تنازع، ولا حدود متفقًا عليها إلى الغرب أو الجنوب، والآن هناك دولة وضعت نفسها شرطيًا للعالم كله، ومع ذلك يبقى فى داخلها من يدافع عن حمل أفراد سلاحًا هجوميًا.

الرئيس أوباما تحدث عن مأساة المدرسة الابتدائية وعن أكثر من 900 قتيل بالرصاص فى الشهر التالى، وهو الآن يخوض حملة لتقييد حرية حمل السلاح مع أن مراقبين كثيرين يقولون إنه سيفشل لأن لوبى السلاح هو الأقوى فى الولايات المتحدة، ويتنافس على المركز الأول مع لوبى إسرائيل، وكلاهما يدافع عن الجريمة.

لاحظ المراقبون، أن رئيس لوبى السلاح واين لابيار غاب عن الأنظار والرئيس يعد هجومه على لوبى وشركات صنع السلاح الشخصى، وقال بعضهم إن لابيار نُصِح بالاختفاء بعد أن ارتكب أخطاء فاضحة فى أعقاب مأساة المدرسة وأطفالها ومعلميها، فهو فى أول مؤتمر صحفى له بعد الجريمة دعا إلى وضع حراس مسلحين داخل المدارس لحماية الصغار، أى زيادة حمل السلاح بدل خفضه، ولوبى السلاح ينافس لوبى إسرائيل فى الوقاحة، لذلك فهو نشر الأسبوع الماضى دعاية تتهم أوباما بأنه "مراءٍ" و"فوقى" لأنه يريد منع السلاح وهناك حراس مسلحون لحماية ابنته، الحقيقة أن كل رئيس أمريكى يُحاط هو وأسرته بحراسة مسلحة، وذلك بحكم المنصب والتركيز على صاحبه.

أتمنى أن ينجح الرئيس أوباما فى إصدار قوانين للحد من حمل السلاح فى بلاده، وأقول هذا مع أننى صياد منذ بدايات المراهقة، وهو إذا فعل فسيكون أول نجاح له فى أربع سنوات من الإقامة فى البيت الأبيض.

بعض الأمريكيين وجد فى الجدل حول حمل السلاح وسيلة للسخرية، وقرأت أن إحصاءات وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية تُظهر أن فى الولايات المتحدة 700 ألف طبيب وأن الموت بسبب خطأ غير مقصود من الأطباء يبلغ 120 ألف حالة فى السنة، أى أن كل طبيب حصته 0.171 من الوفيات.

فى المقابل هناك 80 مليون قطعة سلاح فى الولايات المتحدة بأيدى مواطنين والقتل الخطأ نتيجة لذلك هو 1500 حالة وفق إحصاءات مكتب التحقيق الفيدرالى، فتكون الوفيات بسبب السلاح أقل ألوف المرات منها بسبب الأطباء.

إضافة إلى ما سبق، ورغم كثرة السلاح، فالأرقام تُظهر أن السلاح لا يحمله كل أمريكى، ولكن كل أمريكى له طبيب يتعامل معه.

فى البداية لم أفهم سبب المقارنة بين حمل السلاح والأطباء، إلا أننى صبرت حتى النهاية ووجدت أن جامعى الأرقام المقارنة يخلصون إلى الاستنتاج أن الأطباء أخطر على الأمريكيين من حملة السلاح ويريدون منع الأطباء أو حظرهم.

حتى لو اعتبرنا الأمر مجرد مزاح فى موضوع لا يتحمل أى مزاح تبقى المقارنة كاذبة لأنها تتحدث عن الأطباء و1500 حادث قتل خطأ فى السنة، غير أن الضحايا فى شهر كانوا 926، والسبب أن معظم القتل لم يكن خطأ بل متعمدًا، أى جريمة لا جنحة.

أرواح الأطفال الضحايا أثمن من أى قانون يصدر، ومع ذلك فلو صدر قانون يحد من حمل السلاح يستطيع الأمريكيون أن يقولوا إن دماء أطفالهم لم تذهب سدى.

نقلاً عن الحياة اللندنية

الجريدة الرسمية