سد الطريق على حاتم زهران
في بداية النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، قدم الفنانون نور الشريف، وصلاح السعدني، وبوسي، فيلم "زمن حاتم زهران" الذي جاء ضمن سلسلة من الأفلام التي أرادت محاكمة مرحلة الانفتاح الاقتصادي التي وضع لبناتها الرئيس السادات، ووصفها الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين رحمه الله "بانفتاح السداح مداح".
زمن حاتم زهران الذي أنتجه الفنان نور الشريف وقدم من خلاله مخرجا جديدا وقتها هو محمد النجار، تميز عن غيره من الأفلام التي تناولت المضمون ذاته، بقوة الشخصية المحورية التي جسدها الشريف بحسب النقاد، وقدرتها على تقديم النموذج الطفيلي للرأسمالي الذي تسلق العملية الاقتصادية عقب انتصار أكتوبر 73، رغم أن صاحبها على الصعيد الشخصي كان أحد الهاربين من دفع ضريبة النصر، فقد كان هاربا من التجنبد في أمريكا تحت بند الدراسة.
لا نريد الاستطراد في أحداث الفيلم الذي بات الآن من كلاسكيات السينما المصرية التي أرخت لحقبة الانفتاح الاقتصادي، غير أن الواقع المعاش يستدعي تذكر شخصية حاتم زهران المتسلق على دم الشهداء، وأولهم شقيقه يحيى الذي كان النموذج الأقرب إلى قلب أبيه أستاذ الاقتصاد الموجه، الذي وضع الخطط الاقتصادية للعديد من الدول النامية والفقيرة التي تتشابه ظروفها مع مصر في ذلك الوقت.
وإذا كان حاتم زهران استغل التحول الاقتصادي الذي تبنته الدولة في اللعب لصالح ثرائه السريع، على وقع أنين الذين حاربوا وضحوا على جبهات القتال، وعندما عادوا إلى الحياة المدنية وجدوا الشقاء في انتظارهم، فاليوم يكرر التاريخ نفسه، ولكن بتصرف، فالذين ضحوا بدمائهم في ثورة 25 يناير، شهداء ومصابين، هناك من يسعي لتجريد أحلامهم في "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية"، من مضمونها، وسرقة مكتسبات أريقت الدماء من أجلها.
بإطلالة سريعة على المشهد السياسي الراهن، نجد أن أمثال حاتم زهران من المكلماني إلى البهلواني، و"كل شين تاني" يملأون الشاشات، ويتصدرون الندوات والمؤتمرات، باعتبارهم منظري الحقبة الجديدة، وصناع سياساتها، رغم أن عددا كبيرا من هؤلاء لم تعرف لهم ساحات النضال وجودا، ولم يضبطوا في سنوات مبارك الكئيبة، متلبسين بفعل ثوري، أو عمل احتجاجي، بل إن بعضهم كانوا يسخرون ممن يعارضون، ويتجنبون معرفتهم.
حاتم زهران نموذج لتحول اقتصادي نتمنى أن يكون قد انتهي مع ثورة يناير، لكن معادله السياسي، يبدو أنه سيحتل المشهد في السنوات المقبلة، عوضا عن أحزاب كرتونية، وشخصيات هزلية، تفتح لها الأبواب على البراح رغم خوائها، وقلة موهبتها وإن تحدثت عن ضرورة اعتلاء الموهوبين للمواقع القيادية.
الخوف أن يدفع الطفل يحيى يحيى زهران ابن شقيق حاتم زهران، في الفيلم ، ثمن مشاركته شابا في ثورة 25 يناير على طريق أبيه في التضحية من أجل البلد، فإذا الجوارح والضباع تنهش حقه الذي لم يتمكن من الدفاع عنه صغيرا، وحق والده الذي روى بدمه تراب سيناء التي تحولت –للأسف- اليوم إلى وكر للإرهاب وبؤرة للتكفيريين.
هل يعي المتصارعون على الكراسي من القوى اليسارية والليبرالية، أن خطر عودة حاتم زهران إلى المشهد في ثوب السياسي، سيحتاج إلى سنوات طوال قبل تعرية زيف ادعاءاته، عن حب الوطن، والعمل لصالحه، وإذا به ممثلا في أرباع المواهب، ينقض على جثة البقرة الحلوب التي ترقد في الساحة تشتكي سوء الطالع؟!