رئيس التحرير
عصام كامل

من الحماية إلى الديمقراطية .. الاحتلال مستمر


بدا السيد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي عطوفا، ودودا، حنونا فى لقائه بالسيد نبيل فهمى وزير الخارجية المصرى، وبدا أيضا أن أمريكا المهيمنة، القوية، الجبارة تنحني أمام موجة شعبية مصرية عاتية، وبدا في الوقت ذاته أن الرجل إنما أراد الاعتذار بلغة الدبلوماسيين التى ترسخ لمبدأ "لابد أن تقول نعم عندما تقصد لا".


أنا وكثيرون مثلي لا نثق في نوايا الولايات المتحدة الأمريكية، فكما نقول فى بلادنا "الجواب بيبان من عنوانه" وعناوين أمريكا لم تحمل طوال تاريخها إلا كل شر، وكشف حسابها لا يتضمن إلا كل قبح.. انظر إليهم فى أفغانستان، وتملى جيدا فى دمويتهم بالعراق، وتمعن فيما فعلوه في ليبيا، وتروى عندما تراجع مذابحهم في سوريا، ولا تنتظر ماهو أبعد مما يفعلونه باليمن.. هذا تاريخهم الأسود وتلك هى ذكرياتنا معهم.

لم نحارب إسرائيل يوما، بل حاربتنا أمريكا وكل قوى الشر الغربى، لم تنته الحرب العالمية الثانية، ولا الأولى بعد.. كل ما فى الأمر أنهم غيروا خططهم، وآمنوا جميعا بأننا من يستحق القتل والحرق والجهل والفقر.

جاء السيد جون كيري بعد تورط بلاده في العبث ببلادنا، وبأمننا، مستخدما قوى مصرية هذه المرة .. وقبل أن تتصوروا أن الأمر انتهى لابد أن تقرأوا التاريخ، فأمريكا لا تهزم بسهولة، فإن خسرت جولة تلتها جولات، وجولاتهم القادمة هي احتواء النظام المصري الجديد، فاليد التي لا تستطيع أن تقطعها قبلها مؤقتا، حتى يحين الحين وتمزقها.

هل تذكرون الحروب الصليبية.. جاءوا لحماية الصليب، فقتلوا كل من قابلوه مسلما كان أو مسيحيا .. وفى العصر الحديث عندما جاء الإنجليز إلى مصر.. إنما جاءوا هذه المرة بعد استبدال الصليب بشعار الحماية .. نفس الأمر كان الفرنسيون يحتلون تونس والجزائر تحت نفس العنوان "الحماية" ومراكش لم تكن بعيدة عن احتلالها بنفس العنوان.. تغير الشعار الآن وأصبح "الديمقراطية".

بنفس الشعار سحقوا الجيش الليبى .. دمروا البنية الأساسية.. وبذات الشعار قسموا العراق، والسودان، وعلى نفس الطريقة مع إضافة نكهة الشرعية.. أرادوا الخراب لمصر، وعبثوا بأمن بعض دول الخليج، ولا يزال المسلسل يعرض حلقاته، رغم أنهم تاريخيا هم من وأدوا أكثر من عشرين تجربة ديمقراطية على مستوى العالم.

إطلالة السيد جون كيرى محاولة احتواء والتفاف، تمهيدا للحظة انقضاض على الفريسة.. صنعوا شاه إيران، وانقضوا عليه، وصنعوا بن لادن وقتلوه، ودعموا صدام حسين ودمروا بلاده، وصنعوا من مبارك إلها صغيرا وأكلوه، وعندما وجدوها ثورة شعبية فى مصر ناوروا والتفوا حولها، ووجدوا ضالتهم فى جماعة الشر الإخوانى.

سقط مرسي وسقطت جماعته، فجاء كيري ليعيد الكرة تلو الكرة، من أجل التفاف جديد ومحاولة امتطاء لثورة الثلاثين من يونيو.. لن يستسلموا ولن يرضوا بالأمر الواقع، فما نالوه من جماعة العملاء فى عامين، يفوق ما حصلوا عليه من الدكتاتور مبارك في ثلاثين عاما.

كما قلت فى الأسبوع الماضى "أمريكا حية تسعى".. حية رشاقتها رشاقة المنقض السريع من أجل القتل، مصانعها سموم تنفثها بيننا، في عروقنا، في شبابنا، في مثقفينا، فى كتابنا، فى سياسيينا، ذرات شرها مثل ذرات الدخان ينفذ إلى الأنوف، ومن ثم إلى الرئتين، فالموت المحقق.

وقريبا بالأسواق الأمريكية من يعلي من قدر ثوار يونيو، ومن يعلي من قدر رجال المرحلة، ومن يتحدث عن اعتذار واجب لمصر الأبية، وبعدها تلين عزائمنا، وتسود أوساطنا مصطلحات الصداقة وعبارات الغزل المتبادل.. ساعتها لابد أن تدركوا أن الحية لا تزال تسعى لصيد ثمين!!
الجريدة الرسمية