رئيس التحرير
عصام كامل

الإخوان ومعضلة حكم مصر


بغض النظر عن النتيجة الآنية التى ستسفر عنها التحركات الثورية التى تجتاح الشارع المصرى فى الوقت الراهن، فالثابت لدينا أن الجماعة الحاكمة تعانى من أزمة من العيار الثقيل لا يسهل التخلص منها، كما يأمل قادة الصمت السياسى المنتظرون لأن يتعب الشارع المصرى ويعود إلى بيته لينعم الإخوان بالحكم، وهو ذات الرهان الذى قامر عليه المخلوع حسنى مبارك.

ارتكبت الجماعة خطأين استراتيجيين من العيار الثقيل:
الأول هو تضييق خياراتها السياسية من خلال طرح مجموعة من الوعود المحددة، وهى وعود لا يمكن التنصل منها أو فضفضتها مثل مشروع النهضة، ومبالغ محددة ستأتى من الخارج (مائتا مليار دولار)، هذا فى السياسة الداخلية، أما فى السياسة الخارجية فكان رفع شعار (إسقاط نظام الأسد) وهو شعار الحد الأقصى بدلاً من رفع شعارات مرنة مثل الإصلاح الديمقراطى، وهو شعار يحمل بين جنباته الحد الأقصى والأدنى ويفسح مجالاً للمناورة حال لم يمكن تنفيذ الرغبات أو الأحلام الإخوانية.
الخطأ الثانى: هو تضييق مجال التحالفات السياسية التى اتسعت فى لحظة الانتخابات الرئاسية وشملت وعودًا سخية بمشاركة طيف واسع من القوى السياسية فى الحكم وصنع القرار، ثم ما لبثت هذه الوعود أن تلاشت على صخرة الرغبة الإخوانية العارمة فى التحكم فى شتى مفاصل القرار اتكاء على تحالف داخلى بالغ الهشاشة مع الجماعات السلفية، وتحالف خارجى أكثر هشاشة مع أمريكا وأدواتها فى المنطقة.
انفض السامر مبكرًا وظهر واضحًا أن خيارات الحكم الإخوانى وتحالفاته لم تكن على قواعد صلبة، بل هى تحالفات لحظية انتهازية فكان أن انفرط عقد أغلب هذه التحالفات وتلاشت الخيارات المحددة والمحدودة التى ألزم بها النظام نفسه، فلا النظام السورى سيسقط فى القريب وربما لن يسقط على الإطلاق، ولا المليارات الموعودة جاءت ولا الوضع الداخلى فى مصر استقر (وأين الفوز لا مصر استقلت ولا السودان دام).
بالأمس سمعت (خالد صلاح) وهو يشكو من اتصالات قادة الجماعة التى تطالب وسائل الإعلام بالتهدئة، أو بمعنى أدق دعم الإخوان ومساندتهم فى مواجهة الأزمات المستفحلة التى تحاصر الحكم الإخوانى من كل جانب.
فات هؤلاء (القادة) أن الكثير من هذه الأزمات هى أزمات ذاتية الدفع، مثل الأزمة الناجمة عن مجزرة بورسعيد قبل عام، وهى أزمة كان أحد أهم أسباب تفاقمها غياب دور المجتمع وأدواته التى يمكنها تهدئة الأجواء، وأن هذا المجتمع يعانى من التفكك والتهميش وأن حكم الجماعة أضاف المزيد من أسباب الانقسام بدلاً من تقليلها أو تخفيف حدتها.
هل انتبه هؤلاء السادة القادة الآن إلى أن المجتمع لم يكن بحاجة لانقسام إضافى عنوانه الدستور، وأن أصحاب اللحى الذين انفردوا بوليمة الدستور قد استنفدوا دورهم مبكرًا بعد أن انهارت شعبيتهم مع انهيار البورصة، وأن جولات الشيخ المكوكى التى استخدمت بصورة مكثفة قبل عام ونيف من الآن لا يمكن لها إطفاء الحرائق، وأن ما يسمى بالتيار الدينى قد تآكل دوره بسرعة البرق ولم يعد بوسعه القيام بهذا الدور فى ظل تفاقم الأزمات والحرائق التى يغذى بعضها بعضًا.
وبغض النظر عن موقفنا من حكم الجماعة فليس أمام القوم من فرصة للخروج الحقيقى من هذا المأزق إلا عبر مبادرة شجاعة تعيد (الثقة) المفقودة بين القوى السياسية المتنوعة والجماعة، عبر إعادة النظر فى الدستور التمزيقى الذى أصرت الجماعة على تمريره رافعة الشعار الصَدامى الصِدامى (الله أكبر وليخسأ الخاسئون) فهذا أول وليس آخر ما يتعين على الجماعة القيام به، وإلا فالعاقبة الوخيمة هى المآل الذى تسير إليه الجماعة آخذة مصر وشعبها الصبور المبتلى (فى الرجلين) بعناد غريب، وهو عناد يورث الكفر.
الجريدة الرسمية