رئيس التحرير
عصام كامل

عفوا الحرية ترجع إلى الخلف!


قال أحد مسئولى قناة "سي بي سي" لصديقه الذي عاتبه حول منع برنامج باسم يوسف من العرض: "إننا في القناة كنا بصدد إطلاق مسابقة حول نفس البرنامج تحت شعار.. إذا عرفت خمسة بيب سيكون لك جائزة عبارة عن .. تيييييت " .. ضحك الاثنان ولم ينته الأمر.


المعنى هنا واضح .. الإشارة هنا أوضح فالمقصود بـ"البيب" هى تلك الصفارة التي يضعها فنيو المونتاج لإلغاء الألفاظ الخارجة من حلقات باسم يوسف، والمقصود من المسئول أنه أراد أن يقول لصديقه إن منع باسم لا علاقة له بالحرية، ولا مناخها، وإنما له علاقة بالمجموعة القيمية التى تحاول قنوات "سي بي سى" أن تحافظ عليها، باعتبارها مستقاة من مجتمع لا يقبل أن يكون نصف البرنامج عبارة عن ألفاظ محجوبة خلف الصفارة .

قد يكون المسئول محقا فيما طرحه، غير أن الحصول على هذا الحق شابه عوار، يجعلنا نردد "عفوا الحرية ترجع إلي الخلف" على غرار "عفوا السيارة ترجع إلى الخلف"..

كان لزاما على السادة المسئولين في "سي بي سي" أن يطرحوا الموضوع للنقاش مع فريق البرنامج، وليكن هذا النقاش علي الملأ، إذ أن قنوات "سي بي سي" استطاعت أن تقوم بدور فعال فى حشد الجماهير لرفض حكم المرشد وإسقاطه، وبالتالي كانت معركتها الأساسية هى معركة الحرية.

صحيح.. الحرية لا تعني الخروج عن الآداب العامة، وصحيح أن باسم يوسف أفرط فى استخدام الألفاظ النابية، والخارجة عن الآداب العامة، وصحيح أن دور الإعلامي أن يرتقى بمستوى الحوار، وأن الفرق بين الإضحاك والابتذال كبير، إلا أن كل هذا كان من الممكن تفاديه، وكسب معركة الحرية التي دافعت عنها "سي بي سي" منذ انطلاقها.

الحوار قد يضيف إلينا برنامجا باسما، مسليا، هادفا، وقد يعيد إلى باسم يوسف قدرا من الاحترام كاد أن يفقده، بسبب تزايد حالات الـ"بيب"، وليس بسبب تناوله للفريق عبد الفتاح السيسى، فالأمر أعمق من تناول شخصية مهمة في وجدان الشعب المصرى، لأن الحديث عن قيم المجتمع أهم بكثير من الدفاع عن بطل مصرى.. القيم تصنع الأبطال والأبطال هم من يصيغون القيم ولا يهدمونها.

منع «البرنامج» أساء إلى القناة، وإلي دورها، ولم يحل المشكلة الأساسية، وهى ما يجب أن يقدمه الإعلام، وما يجب أن يتلاشاه أثناء أداء مهمته، وأعاد إلى الأذهان ما يخيف كل صاحب رسالة حقيقية، وقدم للإخوان خدمة جليلة دفعت البعض إلى القول بأن من تظاهروا أمام استوديو البرنامج ليلة تصويره هم شباب الجماعة، ودفع المؤسسات العالمية والمحلية المهتمة بحرية الرأى أن تضع مصر، وليس القناة فى موقف لا تحسد عليه.

صحيح أنا لا أعرف الأستاذ محمد الأمين، غير أن الدور الذى قام به قبل ثورة ٣٠ يونيو، وما تحمله من تبعات وجرجرة في الضرائب، ومحاولات كسر إرادته كانت كلها مؤهلات قدمت الرجل إلى الرأى العام المصري والعالمى على نحو هادف يليق بما قدم، وهو ذاته الأمر الذي يدفعنا إلى مطالبته بإدارة حوار من أجل الحرية، وليس من أجل باسم يوسف، ومن أجل تاريخ ابتناه خلال عامين، تواصل فيها مع مشاكل وهموم المواطن والوطن، من أجل القيمة الحقيقية للحرية المسئولة أصبحنا بحاجة إلى حوار أعمق من فكرة وقف برنامج!
الجريدة الرسمية