رئيس التحرير
عصام كامل

هل يكره المصريون الديمقراطية؟


يطاردني هذا السؤال خلال الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، هل يكره المصريون الديمقراطية؟
وحتي نصل إلى إجابة لهذا السؤال ليس أمامنا سوى تتبع اختيارات المصريين خلال عهد مبارك ثم ما جري من أحداث عقب ثورة يناير..


أعتقد أن غالبية المصريين – باستثناء قطاعات صغيرة منهم – لم يكن لديهم مشاكل في استمرار حسني مبارك رئيسا حتى عام 2000 أو قبله بقليل، هذا بالرغم من أن مبارك لم يكن في يوم ما ديمقراطيًا، ومع ذلك كان المصريون يقدرون له حفظه للاستقرار، إلى أن ظهر على المسرح جمال مبارك وبدأ مخطط زرعه تمهيدا لخلافة والده في حكم مصر، فماذا فعل عموم المصريين؟ هل انضموا بالملايين إلى حركة كفاية؟ هل اعتصموا أو أضربوا أو أعلنوا العصيان المدني؟

لم يحدث شيء على الإطلاق، وكان الناس يمرون على مظاهرات كفاية وغيرها من الحركات وهم يبتسمون!
كانت مشكلة المصريين مع جمال مبارك لا تتعلق بتوريث أو استبداد، لكنهم تأكدوا من أن انحيازات الابن ستكون إلى طبقته من رجال الأعمال الأثرياء، ولهذا كان الخروج الهادر والمفاجئ للمصريين يوم 25 يناير..

سقط نظام مبارك، فرحت النخبة وهي تنتظر تحقق حلم الحرية، بينما كان تفكير العامة من المصريين منحصرا في البحث عن بديل لنظام مبارك يكون قادرًا على مواجهة الفساد وليس هناك أفضل من الإخوان المسلمين يستطيعون تحقيق هذا الهدف باعتبارهم أصحاب المشروع الإسلامي الذي يدعو للعدل ويأخذ من الأغنياء ليمنح الفقراء، لم يكن الناس وقتها يلقون بالًا لمن يتهم الإخوان وحلفاءهم بمعاداة الديمقراطية، بل كان الكثيرون من محبيهم يعتبرون الديمقراطية دعوة للانحلال!

وخلال عام من حكم الإخوان اكتشف ناخبوهم أنهم كانوا واهمين، فلا رخاء تحقق، ولا فساد تم القضاء عليه، عندما تأكد الناس من ذلك ثاروا على حكم الإخوان في 30 يونيو وأسقطوا نظامهم..

ولو تأمل المصريون عام الإخوان الكئيب لاكتشفوا أن معاداة هذا الفصيل للديمقراطية هي السبب الرئيسي لما جرى، ولنتذكر أن شرارة البدء لإسقاط حكم الإخوان كانت مع إصدار مرسي إعلانه الدستوري في محاولة لتأسيس دولته المستبدة! فهل اقتنع المصريون بأن الديمقراطية هي الحل؟

الإجابة للأسف لا، لأنهم ببساطة اختاروا هذه المرة أن يبحثوا عن نموذج المستبد العادل، رئيس عسكري حازم وصارم وقوي (المسميات المخففة للاستبداد).. واتجه القطاع الأكبر من المصريين إلى الالتفاف حول الداعين إلى ترشيح الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع رئيسا للجمهورية، أي أنهم هربوا من الفاشية الدينية البغيضة التي اكتووا بنارها ليرتموا في أحضان فاشية عسكرية محتملة!

وبينما كان الناس خلال حكم مرسي يصفقون لجرأة باسم يوسف في انتقاد رئيس الجمهورية وجماعته، لم يحتملوا أن يقوم نفس المذيع بانتقاد وزير الدفاع، وهو نفس الموقف الذي اتخذه الإخوان وأنصارهم من نفس المذيع عندما كانت سهامه موجهة إليهم وإلي رئيسهم!

من كل ذلك نخلص إلى إجابة للسؤال الذي طرحته وهي من وجهة نظري:
أولا: قطاع كبير من المصريين يري الديمقراطية ترفًا من الغباء أن يحلم به الجوعى والباحثون عن فرصة عمل!

ثانيا: عدد كبير من المصريين ما زالوا مقتنعين بأن الديمقراطية تفتح الباب للفوضي وتعني أن المظاهرات والاعتصامات لن تتوقف، وبعض هؤلاء يرون أن الحرية هي دعوة للانحلال تخاصم تقاليدنا وقيمنا الدينية. 

ثالثا: قلة قليلة من المصريين تعرف أن الديمقراطية هي الحل وأن لقمة العيش لن تأتي أبدا في ظل حكم استبدادي بينما نستطيع أن نضمن توزيعًا عادلًا للثروة لو كان لدينا نظامًا ديمقراطيًا ينتج لنا برلمانا قويا يراقب السلطة التنفيذية من أصغر موظف وحتي رأس السلطة (رئيس الجمهورية) ويقدم تشريعات تحقق مطالب الفقراء والمهمشين وتعطيهم حقوقهم.. الكارثة الحقيقية أن هذه القلة فقط هي التي تدرك أن الديمقراطية لا تعني تعطيل المرور!!
الجريدة الرسمية