رئيس التحرير
عصام كامل

خبير مغربي لـ"فيتو": الأزمة بين المغرب والجزائر تعود لعام 1963.. الصراع على ملف الصحراء يتبلور حول النفوذ الإقليمي.. النظام الجزائري يحرض على سيادة المملكة على أراضيها

عبد الفتاح الفاتحي
عبد الفتاح الفاتحي

الأزمة العالقة بين الجارتين المغرب والجزائر بسبب "الصحراء المغربية" باتت برميل بارود يهدد بنسف روابط التواصل الدبلوماسي بين البلدين، وترى الممكلة المغربية أن تدخل الجزائر على خط هذه الأزمة، تدخلا سافرًا يتعلق بسيادتها على كامل تراب أراضيها، ومثل اقتحام سفارة الجزائر بالرباط على يد مواطن مغربي، للتعبير عن غضبه من الموقف الرسمي الجزائري المتبنى والداعم لفكرة انفصال الصحراء، القشة التي قسمت ظهر البعير، خاصة بعد سحب المغرب لسفيرها من الجزائر.


وتبنت الصحف الجزائرية حملة تشويه مضادة ضد العاهل المغربي الملك محمد السادس، واتهمته بالتحريض على اقتحام مقرات البعثات الدبلوماسية الجزائرية ببلادها، ولمعرفة جذور هذه الأزمة وأسباب الخلاف في وجهات النظر، حصل "فيتو" على تحليل مطول من "عبد الفتاح الفاتحي" الخبير المغربي المتخصص في قضايا الصحراء والشأن المغربي، والذي أكد بدوره أن الخلاف المغربي الجزائري تاريخي، أو على الأقل تأسس له بعد حرب 1963 على خلفية استباحة جنود جزائريين للحدود المغربية واندلاع ما سمي حينها بحرب الرمال، اجتاح خلالها الجيش الملكي المغربي الأراضي الجزائرية.

ولقد كانت هذه الحرب جزءا من بداية صراع إقليمي مغربي جزائري استسهله الجزائر بحماسة ما تسميه "ثورة المليون شهيد"، ومنذ ذلك تواصل سجال الصراع الإقليمي تارة يتصاعد وتارة يهدأ، إلا أن استقر في صراع تاريخي على ملف نزاع الصحراء، حيث تريد الجزائر اقتسامها مع المغرب للحصول على منفذ بحري على المحيط الأطلسي.

ورغم طول الوقت على طموحات الهيمنة الجزائرية في المنطقة وبروز تداعيات سياسية واقتصادية دولية دفع ملك المغرب الحسن الثاني في اتجاه بناء اتحاد المغرب العربي سنة 1989، لكن ذلك زاد من حدة الصراع للهيمنة على المنطقة المغاربية.

وعلى الرغم من أن كل الفعاليات الدولية دعت البلدين إلى تطبيع العلاقات بين البلدين لتيسير إيجاد حل لقضية الصحراء، وبعد إعلان ملك المغرب محمد السادس لما أسماه اليد الممدودة إلى الجزائر وسحب التأشيرة على الجزائريين الراغبين في زيارة المغرب فإن الجزائر رفضت هذه المبادرة، وأصرت على بقاء حدودها البرية مغلقة مع المغرب، بل زادت في الآونة الأخيرة من عسكرتها، واقترح ثلاثة شروط تعجيزية أمام المغرب، وهي وقف كامل للتهريب على الحدود بينهما ووقف ما تسميه الجزائر حملة إعلامية ضدها وقبول المغرب بدفاع الجزائر عن تقرير المصير في الصحراء.

وبعد الخطاب الهجومي العنيف للرئيس الجزائري على المغرب في العاصمة النيجيرية أبوجا دعا فيه الأمم المتحدة إلى وضع آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المتنازع حولها، لم يكن أمام المغرب سوى استدعاء سفيره من الجزائر قصد التشاور.

ولأن المغرب يرى أن الرئيس الجزائري أقدم على توظيف حقوق الإنسان في ملف سياسي دولي "ملف نزاع الصحراء" تعكف الأمم المتحدة على دراسته يكون قد خرج عن أعراف حسن الجوار، كما أنه على بوتفليقة أن يحول بلده الجزائر إلى واحة لقيم حقوق الإنسان قبل يصدرها إلى باقي أنحاء العالم.

وأبى الرئيس الجزائري إلا أن يكون خطابه الناري ذلك بالتزامن مع انطلاق اجتماع تجمع الساحل والصحراء (س. ص)، حيث يشكل ذلك بالنسبة للجزائر مزيد من التمدد الجيوسياسي المغربي في أفريقيا، وذلك استمرارا للزيارة التي قادت الملك إلى السنيغال والكوت ديفوار والجابون، أتبعها بزيارة ناجحة إلى مالي لحضور تنصيب رئيسها المنتخب إبراهيم كيتا.

وبناء على المكاسب التي بات المغرب يحققها في أفريقيا بدبلوماسية اقتصادية ودينية قوية تشكل بحسب عبد العزيز بوتفليقة تهديدا لدور بلده الإقليمي، يمكن أن يترتب عنها اختراق منظمة الاتحاد الأفريقي من قضية الصحراء.

وعليه فإنه من المرتقب أن ترتفع حدة الصراع السياسي والإقليمي في منطقة الساحل والصحراء وعلى مساحة كامل أفريقيا كجزء من إستراتيجية صراع إقليمي تحرص عليه الجزائر للاستبعاد المغرب من لعب أي دور في أفريقيا.

وأن عودة السفير المغربي إلى الجزائر اليوم تعد محاولة لإنهاء خلاف مرحلي، عبر فيه المغرب عن موقفه القوى من أي محاولة جزائرية للمس بالسيادة المغربية على الصحراء.

وبعدما استنفذ المغرب غايات احتجاجه على خطاب بوتفليقة في أبوجا الذي لم يكن سوى تحريض ضد سيادة المغرب على الصحراء، قرر إنهاء التوتر بإعادة سفيره لأداء مهامه والاحتكام إلى الواقعية السياسية في تدبير علاقات حسن الجوار مع بلد يجب أن يستوعب حتمية فتح الحدود بينهما لتسريع إمكانية التعاون بناء على أسس موضوعية.
الجريدة الرسمية