رئيس التحرير
عصام كامل

د.عبدالدايم نصير لـ"فيتو": ما فعله طلبة الإخوان في الأزهر أشد جرمًا مما فعله المغول بمكتبة بغداد

فيتو

  • الشباب يفتقد الانتماء للوطن الآن
  • الاستخدام الغاشم للسياسة في الجامعة من أجهزة الدولة منذ السبعينيات سبب ما يحدث الآن

انتقد الدكتور عبد الدايم نصير مستشار شيخ الأزهر ظاهرة العنف في الجامعات مؤكدا أن الحل الأمني وحده غير قادر على الحل وأن استراتيجية التعليم والجامعات في مصر تفتقر إلى طرق جيدة للتصدي للعنف وستنتشر بجميع الجامعات إذا لم تتصد لها الدولة .. وشدد على أن مافعله طلاب الإخوان في الأزهر فاق مافعله المغول ومافعلوه في مكتبة بغداد التي تعد أكبر جرم في تاريخ البشرية .. وأشار إلى أن اهم ما افتقدته الجامعات في مصر الانشطة الطلابية وإلى تفاصيل الحوار:

- هناك من ينادي بعودة الحرس الجامعي ومن ينادي بعدم عودته بعد تفاقم وتزايد ظاهرة العنف في الجامعات كيف تري الرأيين؟
انا أرى أن قضية الحرس الجامعي قيل فيها الكثير منذ السبعينيات لكن بصراحة بغض النظر عن قضية الحرس الجامعي .. يبقي السؤال من يحدد عمل الأمن داخل الجامعة هي الجامعة نفسها .. فالجامعة لابد من تحديد العلاقة بينها وبين الأمن والمشكلة للأسف تكمن في توسيع الأمن داخل الجامعة وان ظللت فترة طويلة في الجامعة منذ كنت عميدا بها لم يتدخل الأمن طوال فترتى بها .. لكن التوجه الأمني للأسف ظل يتوسع حتى قضى على كافة الأعمدة وظل عمود الأمن بالجامعة هو الفاعل الأقوى .. وانا ارى بتواجد الأمن ونحتاجه لا خلاف على ذلك لكن لابد من عمل مؤسسات قوية تقف وتصبح أمنا اجتماعيا في الجامعة .. ويمكن للأمن فقط أن يصبح اداة للمعلومات كأن يعطى معلومات فقط عن مظاهرات الطلاب أو غير ذلك لكن لا يعطي قرارات أو يتدخل بتوجيهات وهذا ملحظ مهم وقوي .. فالجامعة مؤسسة من مؤسسات الدولة ترتفع وتنهض بارتفاع الدولة .. ولا ننسي أنه عندما اهتمت الدولة قبل 25 يناير بالأمن فقط دون باقي المجالات الأخرى من تنمية وتعليم وعدالة اجتماعية سقط النظام .. وللأسف أنه عندما حكم القضاء بإلغاء الحرس الجامعي من الجامعة لم تبحث الدولة عن البديل.

- زادت ظاهرة العنف في الجامعات فما هي طرق التعامل معها بصفة عامة وجامعة الأزهر بصفة خاصة؟
نحن نتعامل مع نتائج وجذور وبالطبع درجة العنف والتعديات الموجودة لا يصلح معها الا التصدي الحازم .. فمن حق أي فرد أن يعبر عن رأيه لكن ليس من حقك أن تعتدى على الآخرين ولا على الأموال العامة ولا تعطل الدراسة، لكن السؤال الأكثر خطورة ما هو دور المؤسسات التعليمية عموما فيما يتصل بالسياسة الحقيقة؟ الاجابة المناسبة تكمن في اعداد الطالب وتمكينه من اختيار الموقف السياسي الصحيح بمعنى أنه من المفترض أن الجامعة تعد مواطنا صالحا ابتداء قبل أي شيء .. فالتعليم في بدايته يستهدف تكوين مواطن صالح ذي اتجاهات ايجابية مع مجتمعه وعنده خلفية اجتماعية عن الدور الذي ينبغي أن يقدمه في مجتمعه .. وللأسف الشديد انا أعلنها بصراحة شديدة أن هذا الدور مات من الجامعة منذ منتصف السبعينيات

- ما هي الأسباب التي افتقدت في الجامعة كي تعد طالبا صالحا يستوعب أدبيات المجتمع ومفرداته ويكون عنصرا فاعلًا في حياته؟
الأسباب متعددة منها الاستخدام الغاشم للسياسة في الجامعة من اجهزة الدولة .. فمنذ السبعينيات كانت الانشطة الطلابية التي اهملت بالكامل، والآن الأنشطة الطلابية على تنوعها في الجامعات لا تقل أهمية عن التعليم أو عن المحاضرات .. فلابد أن يكون هناك نشاط تأهيلي وتدريبي في الجامعة .. فكل جيل السبعينيات يدرك هذه الأهمية للأنشطة الجامعية لأنه بجانب الدراسة .. كان الطالب قريبا جدا من اساتذته وكانت علاقاتهم خارج المحاضرة علاقة ود ومحبة تختلف عن علاقتهم مع بعضهم داخل مدرج المحاضرة .. فهناك داخل المحاضرة قيود تجبره على التعامل بطريقة مختلفة مع استاذه لكن في النشاط تكون هناك علاقة تجعله يتعرف أكثر على استاذه من جانب آخر فيكتسب منه معرفة كيفية التخطيط الجيد ومعرفة الرأي السياسي الصائب .. ومن هنا يكتسب الطالب القيادة والارادة والتخطيط بمجرد تواصل إنساني مع استاذه في النشاط بخلاف اكتساب أمور أخرى منها طريقة الحوار وطريقة التفكير كل هذا وأكثر .. والآن للأسف الشديد بدأت الجامعات بإهمال وترك الانشطة بالرغم من اهميتها الشديدة .. والآن لم يترك المجال للجامعة في التركيز الا على شيء واحد وهو أمن الدولة .. وفى رأيي ليس هذا هو الطريق الصحيح في اعداد مواطن صالح واستجد الآن الصراع السياسي بين القوى السياسية والزج بالطلاب فيه لاستغلال المرحلة العمرية المندفعة والتجمع العددي الكبير في الجامعات.

- ما هي مساويْ تدخل الأمن في العملية التعليمية في رأيك؟
من المفترض أن الأمن ليس له أي علاقة بالأمور الداخلية في الجامعة .. فالأمن لا يتعامل الا مع الخارجين عن القانون وكان كثيرا ما يحدث تقدم طلاب لانتخابات اتحاد الطلاب فيقوم جهاز أمن الدولة بشطبهم من القائمة والانتخابات بسبب معلومات لديه عنهم .. لكن من المفترض أن هؤلاء طلبة ابناء الجامعة ولابد من تركهم للجامعة بدون تدخل الجهاز الأمني .. فيجب على الجامعة احتضانهم ومحاورتهم حتى نجد طريقا نسير عليه سويا متفقين فيه على رأى.

- طلاب الجامعة فئات كثيرة وليسوا كلهم مخربين برأيك ما هي كيفية التعامل مع الطلاب على اختلاف أفكارهم ودوافعهم؟
انا لا اريد التعامل مع الفئات المخربة ولكن نتعامل مع السواد الاعظم الاساتذة والطلاب والمدرسين .. وفى أي مجتمع نجد فيه قلة من هنا وقلة من هناك لكن دور المؤسسة التعليمية أن تظل الجميع وتحاور الجميع .. فأنا اقوم بكل ما يصلح عقل الطالب لا اسقيه أفكارا يسير عليها وانما اجعله يفكر بعقله ويبدع .. فهناك فرق فبدلا من بلشفة عقول الطلاب اقوم بعمل اصلاح لعقلهم وأعد فكره وابنى شخصيته وأقوّم معتقده فأبنى داخله التوجهات الجيدة وابنى له الحكم السديد واعلمه كيف يختار نهجا سياسيا وكيف يختلف ويتحاور وكيف يأخذ قرارا صحيحا وكيف يحلل وكيف يحصل على قناعات متسقة مع بعضها.

- كيف تكون الجامعة موجهة للطلاب بحب الوطن وعدم التخريب ولاتتدخل بطلابها في الأمور السياسية؟
الآن هناك أمر غاية في الخطورة وهو الانتماء للوطن فأنا ارى أن اخطر شيء الآن لدى الشباب عدم الانتماء للوطن .. فلابد أن يكون هناك غرس لحب الوطن والانتماء اليه وكيفية تنمية هذا الحب في نفوس الطلبة من خلال الجامعة .. وأحب أن أوضح أمرا شديد الخطورة وهو أن الجامعة جزء من المجتمع .. فهي ليست عينة لمجتمع معين .. فليست الطلبة التي في الجامعة من مكان واحد بل هي من اماكن متعددة مختارين بطريقة عشوائية .. فمنهم من الريف ومنهم من المدن كل بدوافعه وتأثير البيئة فيه وهكذا فهي عينة حياتية لفترة عمرية معينة .. ولذلك فنحن اهملنا الجامعة بما فيه الكفاية وهناك تصرفات منا نحن الاساتذة والحكومات والمجتمع أفسدت العلاقة بين الطالب والجامعة وبين الطالب ومعلمه .. فلو نظرنا إلى الاستاذ الآن الذي يتاجر بطلابه وبكتبه ومذكراته هل هذا الاستاذ سيعلم الطالب القيم والمبادئ؟  بالطبع لا لن يؤثر في الطالب ولن يتعلم منه .. ومن جانب آخر الطالب الذي ارتضى انتماءه لمكان كالجامعة عليه أن يرتضى بسياسة هذا المكان فليس له الحق أن يخرج عن إطاره .. فالجامعة مكان للتعليم وليست مكانا للسياسة وليست ساحة سياسية .. فلابد أن يكون حريصا على مصلحة المؤسسة التي انتمى اليها والحفاظ على المكان وعلى العملية التعليمية بكافة مشتملاتها .. وليس له الحق أن يعترض بهذا الشكل أو الأسلوب بأن يرمى محتوياتها من الشباك أو يحرق مكتبة أو يدمر مبني إداريا أو يحاصر مكتب استاذه أو رئيس جامعته .. هذه جريمة تخجل منها الإنسانية كلها ولا زالت الإنسانية كلها تخجل من فعل جريمة كبري أكبر من جريمة هيروشيما وناجا زاكي وهي حرق مكتبات بغداد .. والوحيدون الذين فعلوا ذلك هم المغول فقط على مدى تاريخ البشرية .. فما فعلوه في مكتبة بغداد وحقيقة ما حدث في جامعة الأزهر يفوق ما فعله المغول وهذا نوع من التخطيط الاسود غير العاقل .. والمؤلم أن هذا يضر بالمجتمع وبالوطن والحل هو أن تعود الجامعة لتكون مصنعا حقيقيا للرجال قبل التعليم يجب تكوين وتربية عضو صالح في المجتمع.

- لماذا لا يكون هناك إطار حاكم ومقنن للعملية التعليمية داخل الجامعة بتحريم وتجريم العمل بالسياسة مثل القضاء؟
القانون لابد منه داخل الجامعة وأي علاقات مشتركة ومتباينة بين أفراد ومجتمعات لابد أن تكون في إطار قانوني واضح لكل طرف .. لكن بصراحة من يقدم المجتمعات ليست القوانين ولكن التعليم هو من يقدم المجتمعات والدليل أن القانون موجود في كل مكان لكن من يطبق القانون؟ هنا تكمن المعضلة فلو نظرت ستجد في دول أوربا من يطبق القانون الناس الذين تعلموا تعليما صحيحا، ومثال على ذلك في أي بلد أوربي وفي أي شارع مثلا الساعة الثانية صباحا معظم الناس نيام والشوارع خالية من المارة والعربات لا تجد شخصا يكسر إشارة المرور أما هنا لا يوجد من يطبق القانون حتي مع وجود رجل المرور وقس على ذلك الكثير في باقي المؤسسات، وما يصح على الجامعة يصح على المراحل التعليمية ما قبل الجامعة فالجامعة ليست مكانا لنيل الشهادة بل هي مصنع للرجال، فلابد من تربية رجل صالح في المجتمع بعيد عن التطرف كل هذا يأتي من خلال التعليم وانا أذكر أن هناك مقررا في مقررات الأزهر اسمه المناظرة كان يعلم الطلاب أدب الخلاف والحوار.

- هناك من ينادي بحرية التعبير وخصوصا داخل الجامعة لأنها صانعة قيادات الغد ويقول إن اعمال العنف ناتجة من عدم السيطرة على افعال الجماهير ؟
انا لا أبرر أي عمل خاطئ لكن الحنق والغضب دون التعقل يدفعان إلى فعل أمور تؤدى إلى الضياع، فأنا أرى انها تصرفات حانقة بلا تعقل ولا يوجد بها فائدة وإن كان فيها سياسة، فلو وجد عنف لابد من توظيفه بشكل سياسي في صالحهم لكن العنف لن يجدى مصلحة، فكيف ابرر عنفا في أمر سياسي هذا أمر خاطئ تماما، فعندما كان هناك اعمال عنف من اصحاب القضايا كالفلسطينيين وغيرهم من خطف طائرات كانوا يعترفون بالفعل لأنهم يريدون توظيفه سياسيا أما الآن المحرض على العنف يتنصل من الفعل فهو فاشل حتي في توظيفه سياسيا.

- البعض يستنكر على بعض طلاب الأزهر قيامهم بأعمال عنف سيما وأنهم درسوا تعاليم الإسلام الوسطي وهؤلاء الطلاب درسوا العلوم الشرعية في معاهد أهلية خارج الأزهر وناقمون على مناهجه وساخطون على توجهه برأيك كيف يعالج هذا الأمر؟
لو وجد مستشفى عام يعطى خدمات افضل هل ستلجأ لعيادة خاصة؟ بالطبع لا لن تذهب وهذا ينطبق على التعليم فالجامعة بها مفتقدات كثيرة اهمها حضور الاستاذ ليس حضورا جسديا، ولكن حضور التأثير في الطلاب أيضا تخلى المدرس عن دوره كمربٍ للطالب، فهنا إذا تخلت المؤسسة عن هذا الدور ستوجد مؤسسات تسد الخانة وهذا حادث في كل جامعات مصر ولكن هؤلاء قلة لأن الأزهر بألفيته ومتونه وشروحه واساتذته قادر على الاستمرار في نشر رسالة الوسطية، ويجب أن نتذكر أن البلاد تعيش في فترة سيولة سياسية كبيرة بعد فترات من التكميم والتجريف.
الجريدة الرسمية