خبير آثار: «الرسول» مؤسس «الدولة المدنية».. و«المدينة» أول مجتمع قائم على هوية العقيدة والمواطنة.. النبي قدم نموذجا فريدا للتخطيط المدني والعسكري.. وأعطى الأولوية للأمن و
قال خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان: إن هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى يثرب، التي أصبحت المدينة المنورة، أسست أول حضارة إسلامية جسدت أول مجتمع مدنى متكامل في التاريخ قائم على هوية العقيدة والمواطنة.
وأوضح ريحان أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بدأ بتغيير هوية المدينة وتحويل اسمها من يثرب إلى المدينة لإعلان مرحلة جديدة بسمات روحية، ثقافية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية جديدة لتعزيز قيمة الانتماء لمجتمع وليد مبنى على التآلف والاندماج وإعمار الأرض والانتشار في أرجائها ونشر قيم التسامح والخير والحق والعدل والسلام لحفظ توازن المجتمع.
وأكد ريحان – في تصريحات له اليوم الثلاثاء بمناسبة رأس السنة الهجرية - أن هناك عدة عوامل أهلت المدينة المنورة لتكون حاضرة الحواضر الإسلامية، ومنها موقعها الجغرافى على طريق تجارة الشام وارتباطها الحضارى بمواقع التيارات المسيحية بالشمال، ما ساهم في التواصل الحضارى بين الديانات.
كما أهلتها خصوبة أرضها ووفرة مياهها للتقدم في المجال الزراعى، فضلا عن إقامة عدة صناعات على الإنتاج الزراعى المحلى، وظهور عدة صناعات معدنية منها الأسلحة وآلات الري والزراعة.
وأشار إلى أن الرسول أسس نظم تخطيط الحواضر الإسلامية التي تبدأ ببناء المسجد وهو أول ما قام به الرسول بالمدينة من بنائه لمسجد من الطوب اللبن وأعمدة من جذوع النخيل وسقف من جريد النخيل لإدراكه أن الجانب الروحاني كان الأساس لإشراقات الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامى المستنير.
وأكد أن المسجد توسط المدينة، وهو المسجد الجامع الذي تقام فيه صلاة الجمعة والصلوات الخمس ومنه تمتد شوارع وطرق المدينة الرئيسية باتجاه أطرافها.. موضحا أن التوسع العمرانى بالمدينة أدى لإقامة عدة مساجد بالأحياء خاصة بالصلوات الخمس فقط وكان الرسول يشرف بنفسه على إقامة هذه المساجد.
وقال: إن الرسول أقام موقعا مكشوفا خاصا بصلاة العيد، وهو ما يطلق عليه المصلى مكون من مكان مكشوف ومحراب يحدد اتجاه القبلة، لافتا إلى أن منطقة آثار جنوب سيناء كشفت عن مصلى داخل قلعة، وهى قلعة الجندي بوسط سيناء والذي كشف بها أيضا عن مسجد جامع للصلوات الخمس وصلاة الجمعة ويتميز بوجود المنبر ومسجد للصلوات الخمس فقط.
وأكد أن الرسول ضرب أعظم الأمثلة في التوزيع العادل للأرض الشاغرة على المهاجرين الذي وهبها له الأنصار، وذلك وفق نظام الخطط حيث أقطع لكل قبيلة "خطة" تاركا لهم حرية التصرف في تقسيمها.. موضحا أن "الخطة" تعنى حيازة موقع ما في منطقة معلومة بإذن من السلطات قصد إعمارها وأدى هذا النظام لشغل المواقع الفارغة بين الأحياء والذي يسهم في التوسع الأفقى للمدينة.
وأضاف: أن هذا النظام أدى لتذويب الفوارق الطبقية والعصبيات القائمة على النسب والعشيرة مؤسسا لهوية تضم كل أطياف المجتمع، هوية العقيدة بالنسبة للمسلمين فيما بينهم وهوية المواطنة بالنسبة لعموم سكان المدينة من مسلمين ويهود وكفار.
وأشار إلى أن تخطيط المدينة جسد فكرا هندسيا راقيا تمثل في شبكة طرق ربطت كل أحياء المدينة بالمسجد الجامع من خلال شوارع رئيسية تفرعت منها طرق فرعية تمتد لكل التجمعات السكانية لتسهيل حركة المرور داخل المدينة، وقد كان عرض الطرق الرئيسية ما بين 4 و5 أمتار والطرق الفرعية ما بين 2 و3 أمتار وكان للطرق آداب عامة منها إماطة الأذى عن الطريق وإصلاحها والاعتناء بها والمحافظة عليها.
وأكد ريحان أن الأمن والصحة كانا من العوامل الرئيسية في إنشاء المدينة وقد تجسد في إقامة معسكرات لتدريب الجنود بضواحى المدينة وإقامة خيمة بالمسجد النبوى للعلاج، وكانت هذه نواة للبيمارستانات التي انشئت في الحواضر الإسلامية ومنها بيمارستان قلاوون بشارع المعز بالقاهرة.