حدث ذلك فى النمسا
عام 1958 تم اغتيال رئيس الوزراء فى النمسا ويدعى "نورشي" على يد حركة يمينية متطرفة ردا منها على إصداره قرارا بحلها وحظرها لممارستها أعمال عنف داخل الدولة، ودعوتها لفكرها بالحديد والنار وإما أن يتبعها المجتمع او تقوم بالاغتيالات ولا تبقى ولا تذر، فتم معاملتها بالمثل من قبل النظام فى النمسا، وتم الرد باغتيال رئيس الحركة ذاتها وتم القبض على كل المنتمين إليها .
وبعد فترة استمرت نحو عشر سنوات، أتى لرأس السلطة فى النمسا من حاول إعادة إنتاج الحركة ذاتها وجعلها حليفا له بجانب أتباعه وحزبه، ليكون كيانا قويا -حسبما يعتقد- لا يمكن خلعه من سدة الحكم، لفرض سياسات متعلقة بتغيير شكل النظام الحاكم وإقرار دستور جديد للبلاد وقوانين عرفية، ونجح فى تمرير كل ما أراد ومع ظهور أول اختلاف بينه وبين الحركة اليمينية التى أعاد لها الحياة، تمت محاولة اغتياله، واغتيل واعتلى رأس السلطة نائبه، ولكنه قد تعلم الدرس فلم يعاد للنهاية ولم يصادق للنهاية وأكمل الصفقة التى عقدها رئيسه السابق للنهاية، أطلق أيدى الحركة فى النقابات والجامعات والإعلام والاقتصاد وقصر الشق السياسى عليه وعلى حزبه دون أى خلافات تذكر.
وخلال تلك الفترة خرج لتلك الحركة مفكرون وأتباع ومريدون، فمنهم من كفر المجتمع وطالب بمحاربته، وأن الوصول للجنة لن يأتى إلا بمحاربة كل من يمثل تلك الدولة الكافرة، وقال آخر: "نحن الفرقة الناجية وعلى المجتمع النمساوى أن يتبعنا وإلا فسنذيقه ويل الجحيم فى الدنيا قبل الآخرة "، ورفعوا الشعار الذى أسسه كبيرهم للحركة والذى قد اغتيل عام 58 منذرين بقدومهم وبوصولهم لتطهير المجتمع .
وحمل أتباع تلك الحركة المتطرفة "الجنازير والسيوف والشوم والمولوتوف" فى الجامعات يرهبون أنصار التيارات الرافضة لهم والرافضة لارتداء الزى الذى أقروه للمجتمع .. ومع تطور الأوضاع قاموا باغتيال وزير الداخلية وعدد من الوزراء وكتاب الرأى المخالفين لهم فى التفكير والمهاجمين لهم ولطريقة تفكيرهم.. وما كان من الشعب فى النمسا سوى أن اختار مرشحهم لرئاسة الجمهورية ووصولوا للحكم ونفذوا مشروعهم .
السؤال هنا: هل تستطيع تصديق حرف واحد مما كتب فى تلك الرواية؟ الإجابة نعم..
وهنا نأتى للسؤال الآخر: هل تستطيع أن تصدق أن ذلك حدث فى النمسا؟ الإجابة مستحيل..
نعم مستحيل وألف مستحيل فأى إنسان بالغ عاقل مثقف يستطيع بكل سهولة أن يرفض الفكرة برمتها، وأن حركة قامت على الكراهية والعنف الواجب استئصالها وإنهاؤها.. لا يمكن لشعب عاقل أن يعقد اتفاقا مع قتلة ومجرمين للعيش معه دون محاسبة، لا يمكن لسلطة وطنية أن تتفق مع خونة، قتلة لرموز الوطن بحجة الدمج المجتمعى .
ولكن ذلك حدث، قد نلتمس العذر للشعب إن كان معظمه جاهل.. مريض.. فقير، لكن هل نستطيع التماس العذر للسلطة؟ هل نستطيع التماس العذر للنخبة المثقفة؟ هل نستطيع التماس العذر لأنفسنا إن كررنا نفس الخطأ؟؟
ibra_reda Twitter